مواجهة اليمين المتطرف.. دور حزب الخضر فى ألمانيا
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 7 أكتوبر 2022 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
على خلاف بلدان أوروبية أخرى تعانى من تراجعات اقتصادية حادة وتتغير حكوماتها المنتخبة على وقع غياب الرضاء الشعبى فى ظل ارتفاع معدلات البطالة وجمود مداخيل الطبقات الوسطى، يستمر الأداء القوى للاقتصاد الألمانى وسط ظروف عالمية صعبة (جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا). ويضمن أداء الاقتصاد الألمانى معدلات بطالة منخفضة، وموازنة فيدرالية لا استدانة واسعة بها مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبى، وميل ميزان العلاقات التجارية مع البلدان الكبرى لمصلحة ألمانيا باستثناء العلاقات التجارية مع الصين.
لذلك لا يمكن تفسير الصعود المستمر لليمين المتطرف أو أزمة الأحزاب اليمينية واليسارية التقليدية بالاستناد إلى العوامل الاقتصادية. ويختلف ما تشهده ألمانيا اليوم عما سبق وشهدته من صعود لليمين المتطرف فى تسعينيات القرن العشرين عقب انهيار سور برلين وإنجاز الوحدة بين الشرق والغرب.
آنذاك ارتبط الأمر بالمعاناة الاقتصادية والاجتماعية فى الولايات الشرقية التى ارتفعت بها معدلات البطالة واعتماد السكان على الإعانات العامة، واستغل اليمين المتطرف ظرف الأزمة للوصول إلى برلمانات بعض الولايات كما استغلته أيضا بعض الحركات النازية الجديدة للاعتداء على الأجانب وطالبى اللجوء والمقيمين من ذوى الأصول الأجنبية. وبينما تركز صعود اليمين المتطرف فى تسعينيات القرن العشرين جغرافيا فى الولايات الشرقية، تنتشر حاليا أحزاب وحركات اليمين المتطرف فى عموم ألمانيا ولا تجد صعوبة فى الفوز بأصوات انتخابية تضمن تمثيلها فى برلمانات بعض الولايات الغربية التى استقرت إجراءاتها الديمقراطية وتقاليدها البرلمانية منذ خمسينيات القرن العشرين.
• • •
اليوم ترتكز أجندة اليمين المتطرف فى ألمانيا إلى خطابين للكراهية، كراهية الغريب وكراهية أوروبا.
أما كراهية الغريب فتتجه إلى مئات الآلاف من اللاجئات واللاجئين الذين وفدوا ألمانيا خلال السنوات الماضية وملايين المقيمين ذوى الأصول الأجنبية، وتروج بين الناس للخوف منهم على الرخاء الاقتصادى والسلام الاجتماعى والنظام العلمانى والهوية الحضارية ــ الثقافية فى ألمانيا.
من جهة أخرى، ترتبط كراهية أوروبا بالترويج لرفض السياسات الاقتصادية والمالية والقانونية للاتحاد الأوروبى التى يرى بها اليمين المتطرف ومعه قطاعات شعبية ليست بالمحدودة ظلما فادحا لألمانيا التى يختزل اليمين المتطرف علاقتها بأوروبا فى المساعدات الاقتصادية والمالية للبلدان المأزومة فى جنوب القارة، وفى فتح سوق العمل الألمانى أمام عمالة رخيصة من وسط وشرق أوروبا على نحو يضر بأجور الألمان، وفى تدخل الاتحاد الأوروبى ومؤسساته الاقتصادية والمالية فى قرارات الحكومة الألمانية.
ثم يترجم اليمين المتطرف خطابى الكراهية هذين إلى مطالبة مباشرة بترحيل اللاجئات واللاجئين وإغلاق الأبواب أمام الأشخاص المهاجرين، وإلى تبنى مقولات الانسحاب من الاتحاد الأوروبى والتوقف عن الإنفاق على عموم أوروبا من حصاد عمل ومدخرات الألمان.
موضوعيا، يتجاهل خطاب الكراهية ضد الغريب والمقيمين ذوى الأصول الأجنبية القدرة الاقتصادية والاجتماعية لألمانيا على استيعاب لاجئات ولاجئين لم يقترب عددهم الإجمالى أبدا من الملايين الذين يتوزعون فى الشرق الأوسط على بلدان مثل تركيا ولبنان والأردن ومصر لا تمتلك الإمكانيات الاقتصادية والمالية لألمانيا، وينكر كذلك الإسهام الإيجابى لملايين الأجانب الذين يشاركون فى صناعة التفوق الألمانى ويقدمون نموذجا لألمانيا جديدة متنوعة ومنفتحة على العالم.
موضوعيا أيضا يتجاهل خطاب الكراهية ضد أوروبا الاستفادة الاقتصادية والتجارية الكبرى لألمانيا من الاتحاد الأوروبى والتى تدركها بوضوح نخب السياسة ومجتمع الأعمال فى ألمانيا مثلما تدرك خطورة انهيار الاتحاد، خاصة بعد ما سبق من خروج بريطانيا من الاتحاد.
• • •
يخصم صعود اليمين المتطرف على نحو مقلق من شعبية يمين الوسط فى ألمانيا ممثلا فى الحزب المسيحى الديمقراطى والحزب المسيحى الاجتماعى (الشريك الإقليمى للمسيحى الديمقراطى والمقتصر تنظيميا وانتخابيا على ولاية بافاريا الجنوبية) والحزب الديمقراطى الحر. هذه الأحزاب الثلاثة تتحمل العبء السياسى المباشر لصعود اليمين المتطرف. فمن جهة، تتراجع بانتظام نسبة الأصوات الانتخابية التى يستحوذ عليها يمين الوسط. ومن جهة أخرى، تحت وطأة خطابات الكراهية ومقولات الخوف على «هوية ألمانيا ودخول مواطنيها الأصليين» التى ينشرها اليمين المتطرف تنحرف الأجندات السياسية ليمين الوسط تدريجيا باتجاه أكثر تشددا وتخرج من بين صفوفها أصوات تطالب أيضا بترحيل اللاجئين واللاجئات وإغلاق أبواب الهجرة والامتناع عن «الإنفاق» على بلدان أوروبا المأزومة.
والنتيجة هى، من جهة، تراجع معدلات تأييد الناخبين والناخبات لأحزاب يمين الوسط التى خسرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولم تعد تسيطر على مؤسسة المستشارية. ومن جهة أخرى، يغير يمين الوسط من تفضيلاته السياسية بشأن استقبال اللاجئين واللاجئات ويقبل الإغلاق النسبى لأبواب الهجرة وينتقد الاتحاد الأوروبى وقراراته وتدخلاته بين الحين والآخر.
أما اليسار التقليدى ممثلا فى الحزب الاشتراكى الديمقراطى وحزب اليسار، فيدفع أيضا ثمنا لصعود اليمين المتطرف وللرفض الأخلاقى والسياسى لليسار لمجاراة خطابات الكراهية. انتخابيا، تنجرف بعض القطاعات المهنية والعمالية والمجموعات السكانية محدودة الدخل إلى التصويت الانتخابى لليمين المتطرف بعد أن استمرت لعقود طويلة على ولائها للحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى يظل مهددا سياسيا وانتخابيا على الرغم من فوزه بالانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ولا ينجو من مقصلة صعود اليمين المتطرف سوى حزب الخضر الذى يحصد تأييد الشباب والعديد من سكان المدن الكوزموبوليتية كالعاصمة برلين والمدن الشمالية هامبورج وبريمن ومدن الجنوب الغنية كشتوتجارت وفرايبورج. تدريجيا، يقترب حزب الخضر من منافسة الحزب الاشتراكى الديمقراطى على موقع الأخير كممثل اليسار الأهم فى السياسة الألمانية.
والسبب فى ذلك هو أجندة الخضر القاطعة فى تقدميتها الليبرالية الرافضة لخطابات الكراهية والمدافعة عن الحقوق والحريات والقيم الإنسانية، وليبرالية وبراجماتية الطرح الاقتصادى للخضر الذى لم يعد به من الرؤى اليسارية التقليدية الشىء الكثير. اليوم يشارك الخضر فى الائتلاف الحاكم ويسيطرون على وزارات مختلفة من بينها الخارجية والاقتصاد ويدفعون الشريك الأكبر، الاشتراكى الديمقراطى، إلى سياسات تقدمية فى مجالات متعددة.
أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد
الاقتباس:
لا ينجو من مقصلة صعود اليمين المتطرف سوى حزب الخضر الذى يحصد تأييد الشباب والعديد من سكان المدن الكوزموبوليتية كالعاصمة برلين والمدن الشمالية هامبورج وبريمن ومدن الجنوب الغنية كشتوتجارت وفرايبورج. تدريجيا، يقترب حزب الخضر من منافسة الحزب الاشتراكى الديمقراطى على موقع الأخير كممثل اليسار الأهم فى السياسة الألمانية.