كيف نقاطع الانتخابات بإيجابية أو نشارك فيها بحذر؟

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 7 نوفمبر 2010 - 9:51 ص بتوقيت القاهرة

قضى الأمر، فغياب وحدة قرار المعارضة واختلاف مواقف أحزابها وحركاتها تجاه الانتخابات البرلمانية بين مشاركة ومقاطعة أجهز على فاعلية خيار المقاطعة الجماعية وحد كثيرا من إمكانية صناعة أزمة شرعية لمؤسسة الحكم بحرمانها من الواجهة التنافسية والتعددية الزائفة. يصبح التساؤل المطروح أمام أنصار خيار المقاطعة الذى أخفق ودعاة المشاركة بين صفوف المعارضة الوطنية المتوجسة من القيود المفروضة على مرشحيها وحملاتها الانتخابية هو ما الذى يتعين عليهم فعله للمقاطعة بإيجابية أو المشاركة دون تقديم صك شرعية لانتخابات غير نزيهة.

لدى قناعة أن على الجميع التعامل بجدية تامة مع مسألة الرقابة المحلية على العملية الانتخابية، منذ اليوم الأول لفتح باب الترشح للانتخابات (كان ذلك فى 3 من الشهر الحالى) وإلى ما بعد يوم الانتخاب (28 من الشهر الحالى).

والمهمة الرئيسية هنا هى إصدار ونشر تقارير المتابعة الدورية والدقيقة لإجراءات تسجيل المرشحين وللترخيص من قبل اللجنة العليا للانتخابات لمنظمات المجتمع المدنى للقيام بالرقابة، وللإنفاق على الحملات الانتخابية والشعارات المستخدمة بها، ولشبهات استغلال مرشحى الوطنى للتداخل بين الحزب والمؤسسات الرسمية بتوظيف إمكانات الدولة لصالحهم، وللقيود المفروضة على العمل الجماهيرى لمرشحى المعارضة، ولمدى حيادية التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية. والمؤكد أن إصدار مثل هذه التقارير يتطلب عملا قاعديا واسعا ومنظما يمكن لشباب الأحزاب والإخوان والجمعية الوطنية للتغيير و6 أبريل وغيرها الاضطلاع به شريطة التنسيق فيما بينهم لتغطية معظم إن لم يكن كل الدوائر.

جوهر الخطوة الثانية هو أيضا التنسيق بين أحزاب وحركات المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى بشأن الرقابة على الدوائر الانتخابية فى 28 من الشهر الحالى لرصد سير الانتخاب ونسب مشاركة المواطنين وتسجيل التجاوزات والخروقات المتوقع حدوثها إن من الأجهزة الأمنية أو من المرشحين.

المهم فى هذا الصدد، وكما تفيد بعض التجارب المعاصرة للرقابة على الانتخابات فى بيئات سلطوية مشابهة للبيئة المصرية، هو عدم الاقتصار على تسجيل التجاوزات الحكومية أو الاكتفاء بمتابعة تلاعب الأجهزة الأمنية بأصوات الناخبين فى الدوائر. فمن الضرورى للغاية رصد توظيف المال الانتخابى للتأثير على الناخبين وما قد يحدث من لجوء إلى العنف لإرهابهم إن من الأجهزة الأمنية أو من مناصرى بعض المرشحين وبغض النظر عن انتمائهم الحزبى، كذلك ينبغى متابعة كيفية التفاعل بين اللجنة العليا للانتخابات وأعضاء اللجان العامة (على مستوى المحافظات) والفرعية (الدوائر) وبين ممثلى الأجهزة الأمنية ورصد من سيكون له النفوذ الأكبر فى إدارة الانتخاب.

وإن كان إخفاق المعارضة فى الالتئام حول موقف استراتيجى موحد من الانتخابات مقاطعة أم مشاركة قد ألحق بدورها ضررا بالغا، فإن عدم تنسيق الرقابة فى يوم الانتخاب والتضارب بين المراقبين والعجز عن تغطية شبه كاملة للدوائر سيذهب بفاعلية الجهود الرقابية ولن يمكن لا المعارضة ولا المجتمع المدنى من إصدار تقارير موضوعية وموثقة تقوى على منازعة الرواية الحكومية التى قطعا ما ستؤكد على نزاهة الانتخابات وسلامة كل إجراءاتها.

الخطوة الثالثة هى التواصل السريع مع الإعلام المحلى والعربى والدولى وكذلك مع الإعلام البديل لنشر التقارير الدورية وتقارير يوم الانتخاب وتكثيف الاهتمام العام بها. والحقيقة أن أمام نشطاء المعارضة والمجتمع المدنى اليوم مساحات للفعل والحركة فى هذا المجال تفوق بكثير ما كان متاحا فى انتخابات 2005، وعليهم الإفادة من تجربة نشطاء المعارضة الإيرانية فى أعقاب الانتخابات الرئاسية هناك والكيفية التى تواصلوا بها مع الداخل والخارج وفى ظروف أشد قمعا وعنفا من تلك الحاضرة فى مصر.

أما الخطوة الرابعة فتتمثل فى مطالبة اللجنة العليا للانتخابات، منذ أن يفتح باب الترشح وإلى ما بعد يوم الانتخاب، بوضع نصوص القانون المنشئ لها موضع التنفيذ وبالتعامل الحيادى مع المرشحين وبضبط تعامل هؤلاء مع المال الانتخابى والشعارات الدينية والتمييزية وبالعمل على إلزام ممثلى الأجهزة الأمنية بعدم التدخل فى سير الانتخاب.

فهذا هو ما تعد به اللجنة وعلينا، وبغض النظر عن محدودية إمكاناتها ومعضلات تشكيلها وكذلك عن نوايا التدخل الأمنى أو خطط التلاعب بالانتخابات إن الحكومية أو تلك المرتبطة بتوظيف المال الانتخابى أو العصبيات العائلية من بعض مرشحى الوطنى والمعارضة، أن نذكر اللجنة صباح مساء بمسئولياتها ونتابع عملها بمزيج من الشك الإيجابى والنزوع نحو التدقيق فى التفاصيل، عل هذا التذكير يرفع بعض ضرر التجاوزات والخروقات.

الخطوة الخامسة هى ضرورة انتباه نشطاء المعارضة والمجتمع المدنى إلى عدم تصنيف تجاوزات العملية الانتخابية إلى فئات متفاوتة فى الأهمية وعدم الانسياق باتجاه التركيز الأحادى على تلك التجاوزات المرتبطة بأجهزة الدولة والحزب الحاكم. تدخل الأجهزة الأمنية وإرهاب الناخبين يوم الانتخاب يشكلان تجاوزات خطيرة شأنها فى ذلك شأن استخدام شعار الإسلام هو الحل أو شراء أصوات الناخبين أو استغلال نفوذ العائلات الكبيرة للتلاعب بنتائج الانتخاب، وليس من الموضوعى هنا أن نتجاهل الفئة الأخيرة بحجة أن تداعياتها ليست على ذات درجة فئة التجاوزات الحكومية.

فالحصيلة النهائية لكل هذه التجاوزات هى فوضى العملية الانتخابية وعزوف المواطنين عن المشاركة الطوعية بها، وفى هذا خطر بالغ على الحياة السياسية وفرص تطورها.

ثم تأتى خطوة سادسة تستند إلى أهمية التفاعل مع الخطاب الرسمى وتأكيداته المتتالية على رغبة مؤسسة الحكم والحزب الوطنى فى انتخابات تنافسية ونزيهة، والمقصود بالتفاعل هنا هو مطالبة الحكم بترجمة نواياه إلى قرارات وإجراءات محددة ثم كشف تقاعسه عن القيام بذلك وإثبات تهافت خطاب النزاهة الرسمى.

اليوم، على سبيل المثال، تجادل قيادات الحزب الوطنى كثيرا فى شأن الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية وتتذرع بحماية السيادة الوطنية ورفض التدخل الأجنبى فى الشئون المصرية وبأولوية الرقابة المحلية، وهذه فى المجمل مقولات واهية يرد عليها بالتأكيد على أن الرقابة الدولية استقرت كممارسة مقبولة هدفها ضمان نزاهة الانتخابات ومساعدة وليس استبدال جهود الرقابة المحلية دون مساس بالسيادة الوطنية، وعلى أن الديموقراطيات والحكومات الراغبة فى التحول نحو الديموقراطية لا ترفض الرقابة الدولية أو تخشاها.

إلا أن الرفض الرسمى للرقابة الدولية والتذرع جزئيا بدور الرقابة المحلية، لا يفسر بل يتناقض بوضوح مع القيود المفروضة من قبل اللجنة العليا للانتخابات على طالبى تراخيص الرقابة من منظمات وشبكات وتحالفات المجتمع المدنى المصرى إلى الحد الذى دفع بأكثر من منظمة إلى التهديد بالانسحاب من جهود الرقابة. وذلك، أى القيود المفروضة على المراقبين المحليين، هى ما ينبغى أن يركز عليه الآن نشطاء المعارضة والمجتمع المدنى ويوظفوه للتدليل على أننا أمام موقف حكومى لا يرحب بالرقابة، محلية كانت أو دولية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved