رسائل إلى المجلس العسكرى: أيها الاستبداد.. أبشر بطول سلامه فى مصر
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الإثنين 7 نوفمبر 2011 - 12:40 م
بتوقيت القاهرة
يتلقى المجلس العسكرى فى هذه الأيام رسائل ومناشدات تحثه بأن يحذو حذو ثورة يوليو 1952 ويحاكى مواقفها الحازمة التى اتخذتها فى مواجهة التهديدات التى تعرضت لها سواء من فلول النظام أو حتى من الطلبة والعمال الذين حاولوا تحدى سلطتها.. والمدهش أن معظم هذه المناشدات تصدر من التيارات الليبرالية والديمقراطية وأنصار حقوق الإنسان.. وسأتعرض فى هذا المقال لنماذج من المواقف التى اتخذتها ثورة يوليو تجاه مظاهرت الطلبة واعتصامات العمال ومواجهة الفلول.
مظاهرات الطلبة
أثناء أزمة مارس 1954 خرج طلبة جامعة القاهرة فى مظاهرة حاشدة تهتف ضد الديكتاتورية وتطالب بالديمقراطية وأذكر ــ حيث أننى شاركت فيها ــ أن الهتاف السائد كان لا فاشية ولا نازية.. دستورية إسلامية.. وعندما وصلت المظاهرة إلى كوبرى قصر النيل فوجئت بجنود من القوات المسلحة عند نهاية الكوبرى يتخذون وضع إطلاق النار ويقف بجانبهم ضابط معه ميكروفون (هورن) يناشدهم بالعودة وبأنه سيطلق النار فى المليان إذا تجاوزوا حد الكوبرى.. كان الجنود يصطفون فى الشارع ما بين باب وزارة الخارجية والمكان الذى تقع فيه الجامعة العربية الآن.. وكانوا يصطفون فى ثلاثة صفوف.. الصف الأول منبطح على الأرض والثانى يجلس مرتكزا على الركبة.. والثالث يتخذ وضع الوقوف وجميعهم يتخذون وضع إطلاق النار.
ظن الطلبة أنه مجرد تهديد وتخويف.. وزادتهم الهتافات حماسة فلم يرضخوا للأمر.. فانطلق الرصاص من الصفوف الثلاثة.. وسقط 13 قتيلا وعشرات الجرحى (وفقا للبيان الرسمى).. وتفرق الطلبة فى كل واد.. وعاد الجنود إلى ثكناتهم التى كانت تقع فى المكان الذى أقيم عليه فندق النيل هيلتون.
وقد علمت فيما بعد أن إطلاق الرصاص فى المليان كان بناء على تعليمات صريحة وواضحة صدرت إلى البكباشى عبدالمحسن أبوالنور الذى أصبح وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء فيما بعد وقد كان فى ذلك الوقت قائد الكتيبة 18 مشاة التى كانت تتمركز فى ثكنات قصر النيل والذى أصدر بدوره أوامره بنفس الوضوح إلى اليوزباشى إبراهيم الأشقر قائد إحدى السرايا بالكتيبة والذى قام بأداء المهمة.. وأطلق النيران من مستويات ثلاثة.. مستوى الإقدام ومستوى الأجساد ومستوى الرأس.. وقد قام القائد العام للقوات المسلحة عبدالحكيم عامر بزيارة الكتيبة فى المساء وهنأهم على إتمام المهمة على خير الوجوه مشيرًا إلى أنهم أنقذوا القاهرة من «دمار كان سيلحق بها شبيها بما حدث فى 26 يناير 1952».
اعتصامات العمال ومقاومة الإقطاعيين
ذكر الأستاذ حسن نافعة فى عموده اليومى بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 25 أكتوبر 2011 أنه تلقى رسالة «قد لا يتفق بالضرورة مع كل ما جاء فيها، ولكنها فى ظنه تعبر إجمالا عما يجول بخاطر قطاع عريض من الجمهور يرى أن السلطة الحاكمة ــ وما زال الكلام للأستاذ نافعة ــ تراخت كثيرا فى تعقب ولجم فلول النظام السابق».
وتتضمن الرسالة واقعتين: الأولى خاصة بإضراب عمال شركة صباغى البيضا بكفر الدوار فى شهر أغسطس عام 1952 الذين قاموا بتخريب بعض المعدات وكيف واجهتهم الثورة بمحكمة عسكرية عقدت فى فناء المصنع وحكمت بالإعدام على اثنين من العمال، ونفذ الحكم فورا، (وأضيف أن المحكمة كانت برئاسة البكباشى عبدالمنعم أمين عضو مجلس قيادة الثورة، وأن العمال الذين تم إعدامهم هما البقرى وخميس).
أما الواقعة الثانية والخاصة بمقاومة فلول الإقطاع فقد جاء بالرسالة عنها ما يلى:
«فى يوم 28/9/1952 ذهبت قوة من الشرطة العسكرية إلى إحدى قرى مركز مغاغة بمحافظة المنيا لتطبيق قانون الإصلاح الزراعى.. وهناك قابلت الإقطاعى العتيد عدلى لملوم الذى أطلق الرصاص على تلك القوة... وبعد ثلاثة أيام صدر قرار بإعدامه ثم تم تخفيف الحكم إلى الأشغال المؤبدة...
يلاحظ أن الرسالة تشير إلى صدور قرار بالإعدام وليس حكمًا بعد ثلاثة أيام من الواقعة.. أى أسوأ من محاكم التفتيش ومع ذلك فالرسالة تشيد بالواقعتين.. إعدام العمال فى المصنع والحكم بإعدام لملوم بعد ثلاثة أيام.. حيث تقول بالرسالة «هاتان الواقعتان اتسمتا بحزم وشدة جعلا الثورة فى بدايتها تسير إلى الأمام مهابة قادرة شامخة».
والرسالة مليئة بالأخطاء الجسيمة فى الوقائع وهى بهذا الشكل تسىء إلى ثورة يوليو من حيث أرادت الإشادة، فلم يصدر «قرار» بعد ثلاثة أيام بإعدام عدلى لملوم بل حوكم أمام محكمة عسكرية برئاسة اللواء صلاح حتاتة عقدت بمدينة المنيا عاصمة المحافظة وصدر الحكم بعد حوالى شهرين من الجلسات وكانت هيئة الدفاع تضم الأساتذة على أيوب وعبدالحميد الساوى واللواء عباس زغلول، ولم يصدر أى حكم بالإعدام بل صدر الحكم بالأشغال الشاقة وتم الإفراج عنه صحيا بعد ثلاث سنوات.. كما لم تذهب أى قوة من الشرطة العسكرية لتطبيق قانون الإصلاح الزراعى.. لأن القانون كان يتطلب من الخاضعين له أن يقدموا إقرارات بما يودون الاحتفاظ به وبما يقررون تسليمه، ولم يتم الاستيلاء الفورى على الأرض بل ربطت بالإيجار على الملاك القدامى وظلت فى حوزة الملاك القدامى لسنوات لحين استكمال تشكيل الأجهزة الإدارية القادرة على تسلم الأرض وإدارتها.
ومن ناحية أخرى فلم يكن هناك أى مقاومة لقانون الإصلاح الزراعى بمغاغة.. كان عدلى لملوم شابا فى الثامنة والعشرين من العمر يمتلك ألفا وثمانمائة فدان وخريج مدرسة الجزويت الفرنسية وعند وفاة والده توقف عن الدراسة الجامعية وتفرغ لإدارة الأرض.. وكان سلوكه أقرب إلى «البلاى بوى» منه إلى الإقطاعى العتيد.. ولكن عندما تلقى مجلس الثورة برقيات من بعض المواطنين فى مغاغة بأن لملوم يهدد ويتوعد فى مجالسه بأنه سيقاوم انتزاع الأرض منه.. كانت هذه هى الفرصة الذهبية التى يبحث عنها مجلس قيادة الثورة لمواجهة الآثار السلبية التى نجمت عن إعدام عمال كفر الدوار خميس والبقرى.. حيث إن ذلك زلزل أركان الثورة التى تدعى أنها قامت من أجل العمال والفلاحين ثم بدأت عهدها بإعدام اثنين من العمال.
لذلك تم اعتقاله دون أى مقاومة هو والخفراء الخصوصيون وسائق السيارة والباشكاتب ووكيل الدائرة ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عصابى لمقاومة السلطات والعمل على قلب نظام الحكم.
●●●
أردت بهذا الإسهاب تصحيح الوقائع التاريخية وإن كان هذا ليس هو هدفى من كتابة المقال.. إذ أن ما أردت أن أقوله هو أنه صحيح أن هناك تراخيا غير مبرر وغير مفهوم من جانب المجلس العسكرى إزاء التحديات الصارخة لسلطة الدولة وخضوع لابتزاز قطاع الطرق واستجابة لمطالبهم غير المشروعة مثل الاعتراض على تعيين المحافظ المسيحى للأقصر، إلا أن الغضب من هذا التراخى لا يجب أن يدفعنا إلى المطالبة بمحاكاة ثورة يوليو ومعاملة العمال المعتصمين كما عاملتهم ثورة يوليو أى بالمحاكم العسكرية المنعقدة فى أفنية المصانع.. وأحكام الإعدام أو قرارات الإعدام التى تصدر خلال ثلاثة أيام وإطلاق الرصاص الحى على الطلبة المتظاهرين، وكما قال الأستاذ حسن نافعة فى عموده المشار إليه بأن الحزم لا يعنى تعليق المشانق فى الميادين أو إقامة المحاكم العسكرية فى أفنية المصانع.. بل بالتطبيق الحازم للقانون.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت هذه الرسالة التى نشرها الأستاذ نافعة تعبر ــ كما قال ــ عما يجول بخاطر قطاع عريض من الجمهور يريد للثورة أن تحاكى ثورة 23 يوليو لكى تكون مهابة وقادرة وشامخة، فأنا أقول للاستبداد أبشر بطول سلامة فى بر مصر.