سد النهضة.. سيناريوهات ما بعد آبى أحمد
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
الأحد 7 نوفمبر 2021 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
يبدو أن نجم رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد الذى سطع فى مطلع 2018، يتجه إلى الأفول، فالسياسى الشاب الذى رفع مع صعوده إلى قمة السلطة شعارات «العدل والمساواة والحرية»، ووصفه مريدوه بأنه «نبى الديمقراطية فى إفريقيا»، قد ينتهى به الأمر منفيا بإحدى دول جوار إثيوبيا وملاحقا من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
تركيبة آبى السياسية العسكرية المخابراتية مكنته فى بداية حكمه من صناعة صورة نموذجية للحاكم المؤمن بالديمقراطية والمشاركة والتعددية، نجح الرجل فى خداع الجميع ــ ومنهم كاتب هذه السطور ــ باتخاذه مجموعة من الخطوات التى تقع كأولوية فى أى أجندة إصلاح سياسى.. أفرج عن نشطاء المعارضة وأعاد رموزها من المنفى، وكلف بعضهم بحقائب وزارية، ثم رفع الحظر المفروض على المنصات الإعلامية، وأحال بعض العسكريين السابقين المتورطين فى قضايا تعذيب إلى المحاكمات، وانتهج سياسة «تصفير النزاعات الخارجية مع دول الجوار.
إجراءات آبى أحمد الإصلاحية، وإنهاؤه النزاع مع إريتريا، إلى جانب مفردات خطابه عن الحرية والتنمية والمساواة، فضلا عن مغازلته إسرائيل، مكنته من الحصول على جائزة نوبل للسلام بعد شهور من وصوله إلى السلطة.
هذه الصورة المصنوعة، سرعان ما انجلت، فمع أول اختبار حقيقى، سقط القناع، وظهر الوجه القبيح، خاض آبى حربا قذرة ضد خصومه فى إقليم تيجراى وأعقبها بأخرى فى أقليم أورموا، اعتبرتها المنظمات الدولية المعنية جرائم ضد الإنسانية وعمليات «إبادة جماعية»، استخدم فيها صاحب نوبل كل أدوات القمع والعنف واستعان بحلفائه الإقليميين لإسكات الحركات والجبهات العرقية التى تطالب بحقوقها السياسية والاقتصادية.
انطوت حرب آبى فى الأصل على ضربات محدودة ضد الانفصاليين التيجراى، ثم خرجت الحرب عن نطاق السيطرة منذ ذلك الحين، وتحولت إلى عمليات إبادة شاملة ترتكبها الحكومة الإثيوبية ضد معارضيها، سقط فيها مئات الآلاف بين قتيل وجريح، فضلا عن تشريد ما يقرب من مليونى مواطن، وكلما اتسعت المواجهات مع عرقيات وحركات جديدة ارتفعت أعداد الضحايا.
ورغم دعم قوى دولية وإقليمية لحكومة آبى أحمد فى صراعه ضد شعبه، إلا أن حركات التمرد التى أعلنت أخيرا عن تحالفها، حققت نجاحات ميدانية قد تمكنها من الوصول إلى العاصمة أديس أبابا خلال أسابيع وهو ما وضع رئيس الوزراء ونظامه أمام خيار صعب، خاصة أن تلك الحركات ترفض التفاوض فى ظل وجود آبى.
المجهودات الدولية التى دفعت خلال الأسابيع الماضية فى اتجاه جلوس أطراف الصراع على مائدة تفاوض، فشلت إثر تمسك جبهة تحرير التيجراى بشرط إزاحة آبى أحمد أولا، وهو ما دعا الأخير إلى التحريض على القتال حتى آخر نفس، «سندفن هذا العدو بدمائنا وعظامنا ونجعل مجد إثيوبيا عاليا مرة أخرى»، قالها آبى أحمد قبل أيام، داعيا سكان العاصمة إلى التسلح على خلفية التقدم الميدانى لخصومه.
تواجه إثيوبيا سيناريوهات مخيفة، أبرزها انهيار الدولة وتفككها على غرار ما جرى فى يوغوسلافيا فى مطلع تسعينيات القرن الماضى بعد فترة من الأزمات السياسية والاقتصادية والصراع بين قومياتها المختلفة.
تحت عنوان «قصة نجاح قذرة»، توصلت دراسة للمجلس الأطلسى للأبحاث والدراسات عن الأوضاع فى إثيوبيا، إلى أن الأمر الأكثر مأسوية هو أن الدولة التى كانت واحدة من أسرع الاقتصادات نموا فى العالم، يهددها شبح الانهيار الاقتصادى والشح فى المواد الغذائية.
ويرى كاميرون هدسون ــ أحد معدى الدراسة ــ أن الجهود الأمريكية والغربية لتحقيق وقف إطلاق النار بفرض عقوبات جديدة على الحكومة الإثيوبية، تبدو جوفاء فى ظل اعتبار الأطراف المتصارعة هناك أنها معركة وجودية من أجل البقاء.
الدراسة حذرت من العواقب الاقتصادية الوخيمة للعنف والتى لن تتوقف عند حدود إثيوبيا، فالقرن الإفريقى كله مهدد بالاشتعال، «أصبحت إثيوبيا مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار فى القرن الإفريقى، وتأثير الانفجار لن يتوقف عند حدودها».
الصراع فى القرن الإفريقى، سيؤثر حتما على مصالح عدد من القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الصين وروسيا التى وضعت استثمارات ضخمة فى تلك المنطقة، كما سيؤثر بالتبعية على مسار التفاوض مع مصر والسودان حول سد النهضة، وهو ما يضع مسئولية إضافية على الفريق المصرى المعنى بأزمة السد الإثيوبى المطالب بوضع مسارات متعددة للسيناريوهات المرجحة.