صرخة أنجلينا جولى
خالد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 نوفمبر 2023 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
لا يوجد فصام بين الفن والانسانية، سواء على الشاشة أو فى الحياة، فالفن منتهى الانسانية يشعر بالبشر وآلامهم، يسهم فى التعرف على قضايا المجتمع وطريقة معالجتها بطرق ترسخ فى الذهن القيم الإنسانية النبيلة.
نعم لا يمكن أن ينفصل الفنان عن الإنسان عندما يطغى عليه أعداء الإنسانية، ويجىء موقف النجمة أنجلينا جولى لما يحدث فى غزة وشعب فلسطين من قتل ودمار على يد إسرائيل لخير نموذج لذلك، وأعترف أننى تأثرت كثيرا بكلمات نجمة هوليوود التى تدين صمت العالم، وتعليقها على القصف الإسرائيلى الذى شهده مخيم جباليا بغزة وأسفر عن مئات الجرحى والقتلى وفق الإحصائيات التى أعلنتها وزارة الصحة فى القطاع.
نشرت أنجلينا جولى على حسابها فى «إنستجرام» صورة لآثار القصف المدمر، وصورة أخرى كتبت فيها نقلا عن تقرير للأنروا: «مخيم جباليا للاجئين أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية فى قطاع غزة، وبعد حرب عام 1948، استقر اللاجئون فى المخيم، وكان معظمهم قد فروا من قرى جنوب فلسطين، ويغطى المخيم مساحة قدرها 1.4 كيلومتر مربع فقط. وهناك 116011 لاجئا من فلسطين مسجلين لدى الأونروا فى مخيم جباليا وحده، بعد مرور 75 عاما على صراع عام 1948 (الأونرو)».
وعلقت أنجلينا جولى على منشورها قائلة: «هذا هو القصف المتعمد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرون إليه.. لقد ظلت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وتتحول بسرعة إلى مقبرة جماعية ــ 40% من القتلى أطفال أبرياء.. عائلات بأكملها تقتل».
سمعت صرختها وهى تقول «وبينما يراقب العالم وبدعم نشط من العديد من الحكومات، يتعرض الملايين من المدنيين الفلسطينيين ــ الأطفال والنساء والأسر ــ للعقاب الجماعى ولتجريدهم من إنسانيتهم، كل ذلك بينما يحرمون من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، وهو ما يتعارض مع القانون الدولى»، متابعة: «ومن خلال رفض المطالبة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ومنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من فرض وقف إطلاق النار على كلا الطرفين، فإن زعماء العالم متواطئون فى ارتكاب هذه الجرائم».
تصوروا تلك الكلمات الصارخة والصريحة والجريئة فى وصف أنجلينا الرؤساء بالتخاذل، بل واتهامهم بالتواطؤ كشركاء أساسيين فى تلك الجريمة الانسانية الكبرى، التى فاقت حتى جرائم الحرب العالمية سواء الأولى أو الثانية، وبالتأكيد فى مقدمتهم الرئيس الامريكى ووزير خارجيته اللذين يعلمان أن إسرائيل استخدمت فى عدوانها على غزة ذخيرة
توازى ما تم استخدامه فى جريمة هيروشيما وناكازاكى مرتين ونصف المرة. أدانت أنجلينا فى رسالة دعمها للشعب الفلسطينى، منع الأمم المتحدة من ممارسة دورها لفرض وقف إطلاق النار ووقف المجازر الإسرائيلية.
انظروا كيف وصفت الممثلة الهوليودية والناشطة الإنسانية ومبعوثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين غزة بأنها «سجن فى الهواء الطلق لما يقرب من عقدين من الزمن». تأست كثيرا لحالة الإحباط المتزايد لدى الناس، بسبب الحصار المروع المستمر والقصف على غزة ومخاوف المقابر الجماعية بمقتل أكثر من 9000 فلسطينى، من بينهم أكثر من 3000 طفل.
انتقاد جولى الصريح لإسرائيل يضعها فى صف المشاهير الآخرين الذين واجهوا فى السابق عواقب مهنية وشخصية خطيرة بسبب مواقف مماثلة.
روجر ووترز، المؤسس المشارك لفرقة بينك فلويد، المعروف بانتقاده الشديد للسياسات الإسرائيلية ودعمه لحركة المقاطعة، واجه العديد من الإجراءات لتشويه سمعته والإضرار بمسيرته المهنية بسبب آرائه. قال فى مقطع فيديو نشر على الإنترنت «تعتبرنى الحكومة الإسرائيلية تهديدا وجوديا لنظام الفصل العنصرى الاستعمارى الاستيطانى، وقد فعلوا كل ما يمكنهم التفكير فيه لتشويه سمعتى ومحاولة تدمير مسيرتى المهنية، وإذا أمكن تدميرى أنا وعائلتى».
وتابع «ذهبت إلى فلسطين. لقد رأيت الفصل العنصرى على أرض الواقع، لقد رأيتهم وكانت الطريقة التى يعاملونهم بها ويقتلونهم أمرا لا يطاق؛ إنهم يقتلونهم علنا. يطلقون النار عليهم طوال الوقت، لقد قصفوهم فقتلوهم، ولذلك كنت أفعل كل ما فى وسعى لكشف هذا الجزء وسأواصل القيام بذلك.
إن اتخاذ مواقف داعمة لحقوق الإنسان الفلسطينية يمكن أن يكون له عواقب وخيمة بشكل خاص على المشاهير أو الفنانين العاملين فى هوليوود بسبب الملكية والسيطرة الكبيرة على صناعة السينما من قبل الشركات والمنظمات المملوكة لليهود الداعمة لإسرائيل فى كثير من الأحيان.
واجه مارلون براندو، أحد أعظم الممثلين وداعمى السكان الأصليين، رد فعل عنيفا ليس بسبب تعليقاته حول فلسطين أو الصهيونية، بل بسبب مقابلته عام 1996 فى برنامج «Larry King Live» حيث أدلى بتصريحات حول أن هوليوود «يديرها اليهود». تم انتقاد هذه التعليقات على نطاق واسع باعتبارها معادية للسامية، اضطر براندو للاعتذار وانتهت خدمته فعليا وخرج من الولايات المتحدة.
واجهت فانيسا ريدجريف، المعروفة بمناصرتها لحقوق الفلسطينيين، تحديات مهنية وانتقادات عامة شديدة بعد خطاب قبولها لجائزة الأوسكار عام 1977. وقد تلقت بالفعل انتقادات شديدة فى منتصف السبعينيات، عندما روت وساعدت فى تمويل فيلم وثائقى بعنوان «الفلسطينى». والتى تعاطفت مع القضية الفلسطينية. وتصاعد الجدل عندما رشحت ريدجريف لجائزة الأوسكار عن دورها فى فيلم «جوليا»، وهو فيلم عن النشاط المناهض للنازية. وأدانت فى خطاب قبولها من أسمتهم «السفاحين الصهاينة» الذين احتجوا على ترشيحها ومشاركتها فى الفيلم الوثائقى. قوبل هذا البيان برد فعل عنيف فورى. بعد خطابها فى حفل توزيع جوائز الأوسكار، واجهت مسيرة ريدجريف المهنية صعوبات ملحوظة. وكانت معروفة بالفعل بآرائها السياسية، لكن إدانتها الصريحة لـ«السفاحين الصهاينة» على مثل هذا المسرح العام أدت إلى نفور الأشخاص الأقوياء فى هوليوود.
فى عام 1978، قام أعضاء رابطة الدفاع اليهودية بإحراق تماثيل لريدجريف واعتصموا فى المسارح التى تعرض الأفلام التى ظهرت فيها، أيضا واجه مشاهير آخرون مثل مارك روفالو وبيلا حديد وريهانا درجات متفاوتة من ردود الفعل العنيفة بسبب تعليقاتهم أو أفعالهم التى ينظر إليها على أنها تنتقد إسرائيل أو داعمة للقضايا الفلسطينية..
إن مكانة جولى باعتبارها شخصية مشهورة رفيعة المستوى مبعوثة للأمم المتحدة قد توفر لها بعض الحماية ضد وطأة ردود الفعل العنيفة هذه، لكن التاريخ يظهر أنه حتى أكثر الشخصيات شهرة ليست محصنة ضد الانتقادات لمواقفها السياسية.
فى كتابه «إمبراطورية خاصة بهم: كيف اخترع اليهود هوليود» يكشف نيل جابلر تأسيس صناعة السينما الأمريكية على يد المهاجرين اليهود فى أوائل القرن العشرين، والأثر الأساسى الذى أحدثته على المجتمع الأمريكى والولايات المتحدة. إنه إرث مستمر حتى اليوم.