حربٌ دينية

قضايا يهودية
قضايا يهودية

آخر تحديث: الخميس 7 نوفمبر 2024 - 7:10 م بتوقيت القاهرة


يوم 10 أكتوبر 2023، بعد أيام قليلة من عملية «طوفان الأقصى»، وهو أول ظهور علنى له، وجّه رئيس الوزراء الصهيونى، بنيامين نتنياهو، فى خطاب متلفز، رسالة إلى مجتمع المستوطنين، قائلا: «نحن دائما كنا نعرف من هى حماس، أما الآن فالعالم كله يعرف. حماس معناه داعش وسندحرها تمامًا كما دحر العالم المتحضر داعش».
وفى اليوم نفسه، التقى نتنياهو وزير الخارجية الأمريكى أنطونى بلينكن، فى مكتبه بوزارة الأمن فى تل أبيب، حيث قال نتنياهو لبلينكن: «الرئيس بايدن محق بأنّ حماس هى داعش، وكما تم القضاء على داعش، سيتم أيضًا القضاء على حماس، يجب أن يدينهم المجتمع الدولى».
تشبيه نتنياهو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتنظيم «داعش»، هدف إلى التذكير بهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001. كان نتنياهو يحاول أن يشعل شرارة الصراع فى العالم ليضع الغرب فى مواجهة الإسلام بأكمله.
بين سبتمبر الأمريكى وأكتوبر الإسرائيلى
منذ الساعات الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، استحضر الكيان الصهيونى هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، إذ قال مندوب الكيان بالأمم المتحدة جلعاد أردان، للصحفيين: «هذا هو 11 سبتمبر بالنسبة لإسرائيل. من الآن فصاعدًا، لن يعود أى شىء كما كان عليه فى السابق».
أراد الكيان الصهيونى أن تتحول عملية «طوفان الأقصى»، ومن اليوم الأول، إلى ١١ سبتمبر جديدة لحشد الدعم الغربى وراء الكيان الصهيونى، وإذكاء نيران الصراع بين الغرب والشرق. ففى ١١ سبتمبر 2001، وبعد أيام قليلة من الهجوم، خاضت الولايات المتحدة حربين كبيرتين فى مسارح مختلفة، أفغانستان والعراق، مستخدمة لغة الحرب الصليبية ــ وهى لغة رؤيوية دينية ــ وعبارات على شاكلة «الرعاية المقدسة»، و«محور الخير ومحور الشر».
على خطى جورج دبليو بوش، استخدم نتنياهو هذه اللغة الرؤيوية الدينية، حين وصف الفلسطينيين بأنهم «أبناء الظلام»، وذلك فى إطار المقارَنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حين قال: «نحن أبناء النور، وهم أبناء الظلام، ولا بدّ للنور أن يتغلب على الظلام». ثم وجه كلامه للإسرائيليين: «سنحقق نبوءة أشعياء، لن تكون هناك سرقة عند حدودكم، وستكون أبوابكم مجدًا، معًا سنقاتل وسننتصر معا».
ودعمًا لهذا الهوس الدينى، أطلق جو بايدن، بعد لقائه نتنياهو ومجلس الحرب المصغر، خلال زيارته «إسرائيل» فى أكتوبر 2023، موقفه: «لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيونى». وكان بايدن قال فى يوليو 2023، لدى وصوله فى زيارة رسمية إلى «إسرائيل»: «لست بحاجة إلى أن تكون يهوديًا لكى تكون صهيونيًا»، وكرر هذه العبارة فى ظل الحرب الحالية فى 12 ديسمبر 2023. فى أثناء زيارته «التضامنية» إلى تل أبيب، فى 18 أكتوبر 2023، قال الرئيس الأمريكى إن إسرائيل يجب أن تعود مكانًا آمنًا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل «لعملنا على إقامتها». أمّا بلينكن، ففى 12 أكتوبر 2023، وفور نزوله مطار تل أبيب، أوضح أنه لم يأتِ لكونه وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة فقط ولكن بصفته «يهوديًا فرّ جدّه من القتل».
وتتسارع وتيرة التصريحات الخطيرة الممزوجة بـ«الهوس الدينى»، فقد علّق السيناتور الأمريكى، ليندسى جراهام، (خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، يوم 11 أكتوبر 2023، نشر مقطع منها فى تدوينة على صفحته الرسمية بمنصة «إكس» ــ «تويتر» سابقًا)، على معركة «طوفان الأقصى» بالقول: «نحن فى حرب دينية هنا، أنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان». لكن أخطر تصريح، هو ما نقله برنامج «فوق السلطة»، عن رئيس مجلس النواب الأمريكى مايك جونسون، حين قال إن «إسرائيل حليف حيوى للولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الناس يفهمون ضرورة تمويل الإسرائيليين الذين يقاتلون من أجل وجودهم»، مضيفا: «دعم إسرائيل واجب إنجيلى».
عند أوربان الثانى الخبر اليقين!
إذا كان بنيامين نتنياهو، وجماعات «الهوس الدينى» فى الغرب، هم من يحملون عبء اعتبار حرب الإبادة على قطاع غزة «حربا دينية»، فإن سلفهم فى مثل هذا الدور الخطير، قبل حوالى أكثر من ألف سنة، كان البابا الكاثوليكى. ففى 27 نوفمبر من عام 1095م، استصرخ البابا أوربان الثانى الملّة المسيحية لتجريد السلاح، لتحرير القبر المقدس، ولتحرير مسيحيى الشرق، الرازحين تحت طغيان الإسلام. عبأ البابا قادة العالم الغربى وعامته أيضًا بدعوة متصاعدة إلى الحرب المقدسة قائلًا:
«فليهبّ العالم المسيحى الغربى، لإنقاذ الشرق، يجب أن يذهب الغنى، والفقير، على السواء، وينبغى لهم أن يكفّوا عن ذبح بعضهم البعض، وأن يحاربوا، بدلا من ذلك، حربًا مقدَّسة، فيكونوا بذلك فاعلين عمل الرب، وسوف يقودهم الرب، ومن يمت فى المعركة يفزْ بالغفران، ومحو الذنوب، وما الحياة على الأرض، إلاّ حياة البؤس، والشر، يُرهق الناس أنفسهم، فيحصدون دمار أبدانهم، وأرواحهم، هنا الناس فقراء تعساء، وهناك متمتعون مزدهرون، وأصدقاء الرب، بحق، ولا ينبغى أن يكون هناك تأخير، فليكونوا على أهبَّة الاستعداد، للانطلاق، عندما يحل الصيف، وسيكون الرب مرشدهم».
هنا يكمن المغزى الأعمق للبيان الخماسى المشترك، الصادر فى يوم 9 أكتوبر، الذى تعهد فيه قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، «دعم إسرائيل فى جهودها للدفاع عن نفسها».
وبإشارة جونسون (دعم إسرائيل واجب إنجيلى)، وبإعلان السيناتور جراهام (نحن فى حرب دينية هنا)، فقد تم ربط حرب الإبادة على غزة بـ«الحرب الدينية»، وبالتالى «الحرب المقدسة» التى ينتهك فيها المحاربون المقدسون [الكيان الصهيونى والغرب] حدود قوانين الحرب والقانون نفسه، لأنهم يقاتلون عدوا جوهريا وجوديا لا يخضع لحماية القانون البشرى. وحين يضع المحاربون المقدسون أنفسهم فوق أعراف وقوانين السلوك البشرى، فإنهم يجردون بذلك أعداءهم من أى نوع من الحماية القانونية، لأنهم أدنى من البشر، ويتجلى ذلك من التصريحات الصادرة من الكيان الصهيونى. فقد قال وزير الحرب يوآف جالانت، خلال اجتماع بالقيادة الجنوبية للجيش، 9 أكتوبر 2023: «لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقًا لذلك». وقد وردت هذه الأوصاف ذاتها على لسان نتنياهو، ففى 15 أكتوبر 2023، اعتبر أن الجنود الإسرائيليين «يفهمون نطاق المهمة» وهم مستعدون «لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التى قامت ضد [إسرائيل] لتدميرنا». وفى رسالته، بمناسبة عيد الميلاد، إلى الجنود والضباط الصهاينة، والتى نشرها على «إكس» فى 25 ديسمبر 2023، قال: «نحن نواجه وحوشا، وحوشا قتلت الأطفال أمام والديهم.. هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هذه البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية».
وفى معرض رده على أسئلة قناة «سكاى نيوز»، فى 26 أكتوبر 2023، قال المندوب الصهيونى السابق لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان: «مندهش من القلق المستمر الذى يظهره العالم وكذلك المملكة المتحدة تجاه الشعب الفلسطينى»، واصفًا الفلسطينيين بأنهم «فظيعون وحيوانات مجردة من الإنسانية». وأضاف: «فى الواقع، هذه الحيوانات الفظيعة والمجردة من الإنسانية، ارتكبت أسوأ الفظائع التى شهدها عصرنا وأسوأ الفظائع التى عانى منها اليهود منذ المحرقة».
السمة الجوهرية لهذه التصريحات، هى الحرب حتى الموت، حرب من أجل الإبادة. وفى «الحرب المقدسة» التى يشنها الكيان الصهيونى والغرب على قطاع غزة، لا يُعد قتل الفلسطينيين جريمة، لأنهم «فظيعون وحيوانات مجردة من الإنسانية»، وبذلك يجعل منهم مجرد كتلة مزدحمة لا تحمل اسمًا ووجودها يتطلب إلى الإبادة.

أحمد الدبش

موقع الكرمل الفلسطينى
النص الأصلى:
https://alcarmel.net/articles/6805/

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved