شيخا كروفينيا يوثقان لانفتاح البرزخ
حسام السكرى
آخر تحديث:
الأحد 7 ديسمبر 2014 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
فى منتصف القرن السابع أثبت بابلو روبرتو مانيار أن الفضل فى أحداث التاريخ يرجع إلى انفتاح البرزخ ما بين ثور السماء وعجل الحمأ.
غمر العالم وقتها من الضياء ما أزاغ الأبصار، فأصبح واجبا أن تعاد كتابة التاريخ بما ينقيه من الشوائب، وجاءت كتابات مانيار لتصنع يقينا دامغا أسس لصلابة حضارية، تميزنا بها بين الأمم.
انفتاح البرزخ كان حدثا مهيبا بحسب ما كتب مانيار، وما وثقه الفلكى روكرو ميهالو الذى ولد بعد وفاة «الشيخ الكبير» بسبعين عاما. تجاوزت أعمال ميهالو ضعف ما كتبه مانيار، وأصدر «قصة العالم الموثقة» فى سلسلتين من المجلدات يندر ألا توجد اليوم فى بيت من البيوت. وإليه أيضا يعزى فضل تأسيس «أعياد الاستنارة» التى انهمك الناس أثناءها فى إحراق الكتب الفاسدة، وإغراق ما كان موجودا منها فى نهر توميان.
بالمقدمة التى كتبها مانيار وأفاض فيها عن الدلائل المفحمة لانفتاح البرزخ، ومع نشر «استهلال البراهين» الذى وثق به ميهالو منهجية أستاذه، أصبح لدينا أساس راسخ لا غنى عنه لعلم الاستدلال البرزخى.
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت محاولات تشويه متعمدة لما ترسخ من حقائق، وللقناعة التى لا ترد، بأن الشيخين الفلكيين أنقذا تراث البشرية من التزييف. إذ بدأ بعض الدارسين فى معهد ميرون محاولة مستهجنة لنقد أعمال مانيار وميهالو، واعتمدوا فى ذلك على آلية ذهنية منحرفة تخالف منهج البحث القويم. وبدلا من ربط مجال الدراسة بنص ورد فى أى من كتب الشيخين، ثم التوسع فى الاستدلال حوله وتفسيره اعتمادا على منهج البحث البرزخى، وباستخدام المنهج لنقد المنهج، تجرأ باحثو معهد ميرون على وضع منهج علم الاستدلال البرزخى ذاته قيد البحث. بل تجاوزوا إلى التشكيك فى رحلة النور ذاتها.
انتهى الأمر بفصل الباحثين واحدا واحدا من جامعة زولونيا، ثم صودرت كتبهم ودراساتهم، ومنعوا من استخدام الكمبيوتر وولوج المكتبات، بسبب خطورة ما يفكرون فيه على رحلة النور الخالدة وحتمية المسار الأبدى. إلا أن اكتشاف مكتبة عمورية فى العام الماضى شكل تحديا خاصا.
حوت المكتبة بضع مئات من كتب، تعود للقرنين الأول والثانى ومنتصف الثالث. وقد نشرت هذه الكتب فى فترة الانحراف الزيغى، أى قبل أن تبدأ رحلة النور بقيادة الفلكيين.
رواية كتب عمورية اختلفت بشكل واضح عن قصة البشرية كما كتبها ميها. بل شابها قدر من التضارب، جعلها مادة خصبة فى «مكلمات» عقدها «الممنوعون»، قبل أن يتم إعدامهم جميعا.
هدد كشف مكتبة عمورية النسق المنهجى والاتساق التاريخى اللذين دعم بهما مانيار وميهالو استقرار حضارتنا على مدى العصور.
ورغم الإجلال الذى طبع التعامل مع الكتابات المطبوعة بشكل عام، خاصة بعد التحول الكامل للرقمنة فى أوائل القرن الفائت، إلا أن القرار الذى اتخذ بإفناء المكتبة كلها فى صمت ربما كان الأهم فى العقدين الماضيين. وبه انتهى جدل عقيم أوشك أن يهدد الأصول الراسخة لـ«مجتمعنا الواثق»، كما عَرّفه الفلكيان.
وقد انتهى طقس إحراق المكتبة بحفل قصير، أعقبه رفع الستار عن نصب مهيب أقيم لتخليد ذكرى الشيخين، لينضم إلى سبعمائة وثلاثة وخمسين نصبا آخر، انتشرت فى العاصمة كروفينيا وحدها عرفانا بالجميل.