مفاهيم مغلوطة ... بعض الشيء
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 8 ديسمبر 2019 - 2:03 م
بتوقيت القاهرة
في شهر يوليو من هذا العام صدر كتاب من تأليف مارجريت عمارة الأستاذة بجامعة واشنطن بعنوان:
(The Code: Silicon Valley and the Remaking of America) أو "وادي السيليكون وإعادة إنتاج أمريكا"، هذا الكتاب يحكي قصة وادي السيليكون منذ بداياتها في منتصف الخمسينات وحتى الآن، الكتاب ضخم ويحوي الكثير من المعلومات والمواقف الطريفة أيضاً ولكنه يعتبر مدخل إلى بعض المفاهيم التي قد نسئ فهمها في مجال العلوم والتكنولوجيا.
ليس كل صاحب فكرة يعتبر رائد أعمال:
يتحدث الكتاب عن ويليام شوكلي وهو من أوائل من ذهبوا إلى وادي السيليكون وأنشأ شركة لتصنيع الترانزيستور، هذا الرجل هو من إبتكر الترانزيستور وحصل بموجبه على جائزة نوبل بالمشاركة مع عالمين آخرين، إذا يمكن أن نعتبره من أكثر الأشخاص المؤهلين لإنشاء شركة لتصنيع إبتكاره خاصة وأن الترانزيستور هو المكون الأساسي لأغلب الأجهزة الإلكترونية وخاصة أجهزة الكمبيوتر، لكن هذه الشركة تعتبر أكبر مثال على الفشل في تاريخ وادي السيليكون، هذا العالم العظيم كان من أفشل رواد الأعمال وكان يعامل العاملين معه بطريقة سيئة حتى أن أهم ثمانية عاملين عنده تركوا العمل في يوم واحد وأطلق عليهم إسم "الخونة الثمانية"، جدير بالذكر أن إثنين من هؤلاء الثمانية أنشأوا بعد عدة سنوات شركة نعرفها الآن باسم إنتل! إذا كانت عندك فكرة جيدة لخدمة أو منتج يجب أيضاً أن تقيم وبحيادية شديدة قدراتك على إدارة شركة أو تعلم تلك المهارة أو شارك من يتقنها وهذا يعيدنا إلى شركة إنتل التي أنشأها شخصان: روبرت نويز وجوردن مور، كلاهما عالم بالتكنولوجيا ولكن روبرت نويز موهوب جداً في إدارة الأعمال ومور موهوب جداً في التكنولوجيا والعلوم لهذا نجحت شركة إنتل.
البرمجيات أسهل من تصميم الحاسبات:
عندنا في مصر الكثير من شركات البرمجيات وعندما تسأل عن شركات تصميم الحاسبات سيقال أن هذا يحتاج إلى إمكانيات وتمويل كبير لا يتأتى للدول النامية وينسى هؤلاء أن تصميم الحاسبات لا يحتاج مصانع فأنت تبيع التصميم، شركات مثل (NVIDIA) و(AMD) وهي من كبرى شركات تصميم الحاسبات لا تملك مصانع، وإذا كان تصميمك جيداً فستكسب مثل البرمجيات وأكثر، المشكلة أن تدريس علوم وهندسة الحاسبات في مصر تركز أكثر على البرمجيات إقتناعاً بأن هذا ما نحتاجه في مصر وهو الأسهل والأكثر ربحاً مع أنك تستطيع مثلاً تصميم أجهزة كمبيوتر مصممة خصيصاً لتطبيقات الذكاء الإصطناعي وقد تربح من ذلك الكثير.
التكنولوجيا ستقلل من عدد الوظائف:
في عصر الذكاء الإصطناعي تكثر المخاوف من إختفاء الكثير من الوظائف التي ستحل فيها برمجيات الذكاء الإصطناعي (وأجهزة الروبوت لو إحتاج الأمر) محل البشر، هذه المقولة صحيحة وخاطئة في الوقت ذاته وقد ناقشنا هذا الموضوع في مقال سابق ولكنه موضوع معقد ويحتاج دراسة متعمقة، هناك وظائف كثيرة ستختفي وهذه الوظائف هي التي تحتاج قدرات عقلية أقل، هذه حتما ستختفي وسرعة إختفائها تعتقد على تقدم كل دولة فالدول المتقدمة ستختفي فيها تلك الوظائف أسرع من الدول النامية، هناك وظائف أخرى ستظهر ولكنها ستحتاج قدرات عقلية أكثر مما سيرفع من أهمية التعليم والتدريب، سرعة ظهور تلك الوظائف سيكون أقل من سرعة إختفاء الوظائف الأخرى في البداية لأن أي تكنولوجيا جديدة تحتاج بعض الوقت حتى تتغلغل في الحياة البشرية ثم سيظهر حولها وظائف جديدة فمثلاً ظهور أجهزة الهواتف الذكية فتح الباب لظهور شركات برمجيات لتطبيقات الهواتف الذكية.
الحكومة لا دخل لها لها بالتكنولوجيا إلا كمستخدم:
الكتاب الذي ذكرناه في أول المقال يتحدث عن دور الحكومة الأمريكية في تقدم وادي السيليكون، أمريكا دولة رأسمالية حتى النخاع تؤمن بالسوق الحر، لكن تلك الشركات لا تعمل في فراغ، تلك الشركات تستخدم تكنولوجيا إختُرعت في معامل مؤسسات حكومية مثل ناسا وغيرها، الإنترنت وأجهزة الميكروويف وأجهزة الجي بي إس قد خرجت من رحم المعامل الحكومية كما أن الحكومة تتدخل عند حدوث مشاكل بين الشركات الأمريكية والشركات الأجنبية خاصة الصينية منهم والأمثلة في ذلك كثيرة.
أي تكنولوجيا متقدمة تصلح كمنتج في الحال:
عندما أصدرت جوجل نظاراتها الذكية التي تحتوي على كاميرا منذ عدة سنوات لم تنجح لأن الناس لم تكن مستعدة لأن تتكلم مع شخص يرتدي نظارة تستطيع التسجيل، وجود تكنولوجيا لا يعني أن الوقت مناسب لظهور الخدمة أو المنتج، هناك كتاب شيق لمالكوم جلادويل بعنوان (The Tipping Point) أو "نقطة التحول" يحاول فيها تحليل ظاهرة نجاح منتج وفشل آخر قد يكون بنفس الكفاءة أو أقل.
قراءة تاريخ التكنولوجيا مفيدة مثله مثل قراءة تاريخ العلوم وسير العلماء.