مأزق المعارضة.. تأثير الانتخابات التشريعية فى مستقبل فنزويلا
مواقع عربية
آخر تحديث:
الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب صدفة محمد محمود يعرض فيها أهمية الانتخابات التشريعية القادمة فى فنزويلا ودور جو بايدن المنتظر لحل الأزمة... نعرض منه ما يلى.
فى السادس من ديسمبر الجارى، يتوجه الناخبون الفنزويليون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 277 مرشحًا فى الجمعية الوطنية لمدة خمس سنوات. ومنذ عام 2015، حصلت المعارضة السياسية فى فنزويلا على أغلبية المقاعد فى الجمعية، وهى الهيئة التى برز من خلالها «خوان جوايدو» كرئيس مؤقت للبلاد فى يناير 2019، فى مواجهة الرئيس الاشتراكى الحالى «نيكولاس مادورو».
وتجرى هذه الانتخابات فى ظل أجواء سياسية مشحونة للغاية، مع القيود الشديدة التى يفرضها نظام الرئيس «مادورو» على المعارضة السياسية، التى قررت عدم المشاركة فى انتخابات 6 ديسمبر، وهو قرار أيده عشرات الدول التى اعترفت بالرئاسة المؤقتة لـ«خوان جوايدو»، خاصة مع تمسك الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة بموقفهما الرافض لإرسال مراقبين إلى فنزويلا للإشراف على الانتخابات، مما أثار العديد من التساؤلات حول جدوى إجراء هذه الانتخابات فى ظل مقاطعة المعارضة، والشكوك الجدية فى مدى نزاهتها، إلى جانب تأثيرها المحتمل على الأزمة السياسية فى فنزويلا، وكذلك المستقبل السياسى لـ«جوايدو».
***
تكتسب الانتخابات التشريعية القادمة فى فنزويلا أهمية خاصة، انطلاقًا من اعتبارات عدة، من أهمها:
حساسية التوقيت... يأتى إجراء الانتخابات التشريعية فى فنزويلا فى ظل سياق اقتصادى واجتماعى وسياسى شديد التعقيد، خاصة مع ما تشهده البلاد من أزمة سياسية حادة منذ إعلان «خوان جوايدو» رئيس الجمعية الوطنية نفسه رئيسًا انتقاليًا للبلاد. علاوة على أنها تأتى متزامنةً مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التى تعانى منها البلاد، خاصة مع ارتفاع معدل التضخم الذى يبلغ 200% تقريبًا سنويًّا، وفى ظل توقعات بانكماش الاقتصاد بنسبة تتراوح ما بين 7% و10% هذا العام. إلى جانب النقص الحاد فى السلع الأساسية، بما فى ذلك المواد الغذائية والأدوية، وكذلك انهيار الخدمات العامة، بما فى ذلك الكهرباء والمياه والمستشفيات. وتُغذى حالة الاستياء العام معدلات مرتفعة بشكل استثنائى من جرائم العنف.
الوزن النسبى للمؤسسة التشريعية... تنبُع أهمية الانتخابات التشريعية القادمة فى فنزويلا من الأهمية والوزن النسبى للجمعية الوطنية، التى تكاد تكون المؤسسة الوحيدة المنتخبة ديمقراطيًّا فى فنزويلا، والتى تسيطر عليها القوى المعارضة لنظام الرئيس «مادورو». ليس هذا فحسب، بل إن الاعتراف الدولى بـ«خوان جوايدو» كرئيس انتقالى لفنزويلا، جاء بشكل أساسى انطلاقًا من كونه رئيسًا للجمعية الوطنية.
صعود «جو بايدن»... تجرى الانتخابات التشريعية عقب انتخاب «جو بايدن» رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، وما يرتبط بذلك من تداعيات محتملة على الموقف الأمريكى من الأزمة السياسية فى فنزويلا. وكانت الولايات المتحدة من أوائل دول العالم التى دعمت «جوايدو»، وعملت على مساعدته فى الإطاحة بـ«مادورو» من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على السياسيين والشركات الفنزويلية، كما أرسلت المساعدات الغذائية والطبية للبلاد. إلى جانب ذلك، ساهمت إدارة الرئيس «دونالد ترامب» فى الحفاظ على حملة عالمية لدعم «جوايدو»، وتعزيز شعبيته، كما لوحت بالتدخل العسكرى لحل الأزمة السياسية فى فنزويلا.
ومع ذلك، فشلت جهود إدارة «ترامب» فى الإطاحة بـ«مادورو»، وقد انتقد الرئيس الأمريكى المنتخب «جو بايدن» السياسة المتبعة من قبل إدارة «ترامب»، وحمّلها مسئولية الفشل فى حل الأزمة الفنزويلية. وبرغم أن «بايدن» لم يُشرْ إلى أى تحول جذرى فى نهج واشنطن تجاه «مادورو»، لكن من المتوقع أن ينسق بشكل أكبر مع الشركاء الدوليين، خاصة الاتحاد الأوروبى. ومن المحتمل أن يواجه ضغوطًا لتخفيف بعض الإجراءات، بما فى ذلك القيود على واردات فنزويلا من البنزين لأسباب إنسانية وسط جائحة فيروس كورونا.
***
تُثير الانتخابات التشريعية فى فنزويلا العديد من التساؤلات حول انعكاساتها المحتملة على الأزمة السياسية فى البلاد، والاستراتيجيات التى قد تتبناها المعارضة فى ضوء نتيجة الانتخابات، وكذلك تداعياتها المرتقبة على المستقبل السياسى لـ«جوايدو»، وذلك كما يتضح فيما يلى:
تدهور الأوضاع السياسية... يخشى الكثيرون من أن تُسهم نتيجة الانتخابات التشريعية فى حدوث المزيد من تدهور الأوضاع السياسية وتفاقم الأزمة الراهنة فى البلاد. ففى حال فازت المعارضة، من خلال منح نظام «مادورو» لها فرصة عادلة فى التمثيل السياسى، فإنه من غير المحتمل أن تكون لديها سلطة فعلية لإحداث تغيير سياسى حقيقى أو لوقف خطط «مادورو» لإحكام سيطرته على جميع مقاليد السلطة فى البلاد.
ومن المرجّح فوز الأحزاب المؤيدة لـ«مادورو»، بزعامة الحزب الاشتراكى الموحد لفنزويلا الحاكم، بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية، خاصة مع عدم توافر الشروط الموضوعية التى يتطلبها إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما تأكد مع قيام المحكمة العليا الفنزويلية بعزل زعماء أحزاب المعارضة، واستبدالهم بآخرين موالين للحكومة. إلى جانب إحكام «مادورو» سيطرته على المجلس الانتخابى الوطنى، المسئول عن إدارة العملية الانتخابية، لمنع المرشحين البارزين من المشاركة، ومنع بعثات المراقبة الدولية من الحضور.
وفى حال فازت الأحزاب الموالية للحكومة بالانتخابات فإن هذا قد يُنذر بانسداد الأفق السياسى لحل الأزمة الفنزويلية بالوسائل السلمية، ويُسهم فى اندلاع المزيد من أعمال العنف وانعدام الأمن، ويزيد من الصعوبات التى تواجه المواطن الفنزويلى؛ حيث تتعمق الأزمات الاقتصادية والإنسانية الخطيرة فى البلاد، وتتفاقم بسبب الوباء والعقوبات الأمريكية ضد نظام «مادورو»، وهو ما أدى إلى أكبر حركة هجرة جماعية فى التاريخ الحديث لمنطقة أمريكا اللاتينية، مع وجود 4.5 ملايين لاجئ ومهاجر فنزويلى حول العالم، الغالبية العظمى منهم فى بلدان أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى.
استمرار انقسام المعارضة... مع إعلان تحالف أحزاب المعارضة مقاطعتها الانتخابات التشريعية، بذريعة أنه سيتم تزويرها، فقد أعلن «هنريك كابريليس» أحد أبزر الشخصيات المعارضة ومرشح رئاسى سابق فى عامى 2012 و2017، عن نية حزبه المشاركة فى الانتخابات. ويمكن أن تصب هذه الخطوة فى صالح الرئيس «مادورو»، ومن المرجّح أن يُشير النظام الحاكم إلى وجود المعارضة فى الجمعية الوطنية للادّعاء بديمقراطية نظام حكمه. غير أن هذه الخطوة سوف تُثير مزيدًا من الشكوك حول مدى وحدة وتماسك المعارضة الفنزويلية، ويمكن أن تُسهم فى إضفاء الشرعية والاعتراف الدولى بهذه الانتخابات.
لذا فإن الانتخابات المقررة فى 6 ديسمبر تُمثل «لحظة تاريخية» فى مسيرة المعارضة فى فنزويلا. فبالرغم من استمرار اعتراف أكثر من 50 دولة بـ«جوايدو» كرئيس مؤقت لفنزويلا، لكن حملته للإطاحة بـ«مادورو» قد تعثرت حتى الآن. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتعرض حركة المعارضة التى يتزعمها «جوايدو» لخطر التفكك والانهيار، خاصة مع تزايد التوقعات بفشلها فى الاحتفاظ بالأغلبية التشريعية فى الجمعية الوطنية.
وهناك حالة من الإحباط من جانب بعض قادة أحزاب المعارضة ومنهم «هنريك كابريليس»، بسبب فشل جهود «جوايدو» للإطاحة بـ«مادورو». وفى هذا السياق، قام «كابريليس» بتوبيخ «جوايدو» علانية، حيث قال: «لا يمكننا الاستمرار فى اللعب مع الحكومة على الإنترنت»، «إما أن تكون حكومة، أو أنك معارضة.. لا يمكنك أن تكون كلاهما».
غموض المستقبل السياسى لـ«جوايدو»... من المرجح أنه فى حال فشلت المعارضة بزعامة «جوايدو» فى الفوز بالانتخابات التشريعية، فسوف تشهد الشهور القليلة المقبلة تدهورًا فى موقفه وتراجعًا فى نفوذه وسلطته فى مقابل تعزيز مكانة «مادورو». وفى الوقت ذاته، ستكون شرعية «جوايدو» على المحك، خاصة أن مطالبته بالرئاسة المؤقتة للبلاد ستنتهى فعليًا فى 5 يناير المقبل، بانتهاء ولاية الهيئة التشريعية الحالية، وحينها لن يكون مسئولًا منتخبًا. وفى الوقت نفسه، يخطط «جوايدو» لإجراء استفتاء شعبى ينظّم بين 5 و12 ديسمبر لإقرار تمديد ولاية البرلمان الحالى، غير أنه يفتقر إلى الأسس الدستورية والإمكانيات العملية للقيام بذلك. وفى الوقت نفسه، ربما سيواجه «جوايدو» خطر السجن من قبل إدارة «مادورو» إذا استمر فى قيادة حكومة موازية.
جدير بالذكر أنه منذ أن أعلن نفسه كرئيس مؤقت لفنزويلا فى يناير 2019، فشل «جوايدو» فى الإطاحة بـ«مادورو» أو إقناع أى من المؤسسات الموالية للحكومة بالوقوف إلى جانبه. وبينما لا يزال يحظى بدعم الكثير من المجتمع الدولى، فقد تضاءل الحماس الداخلى تجاه حركته. كما انخفضت نسبة التأييد الشعبى لـ«جوايدو» من 61% فى أوائل عام 2019 إلى 26% فى أغسطس الماضى، وهو ما تمت ترجمته فى الفشل فى حشد أعداد كبيرة من المتظاهرين إلى الشوارع خلال الشهور الماضية.
وفى ضوء ما سبق، يمكن القول إن نتيجة الانتخابات التشريعية المقبلة فى فنزويلا سوف تكون من العوامل الحاسمة لمستقبل الأزمة السياسية فى البلاد، والتى سوف تتأثر بشكل رئيسى بالمواقف التى ستتخذها إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب «جو بايدن»، وقدرته على تشجيع المعارضة والحكومة على الدخول فى مفاوضات جادة لحل الأزمة الراهنة.
النص الأصلى