الصفر الكبير
بول كروجمان
آخر تحديث:
الجمعة 8 يناير 2010 - 10:24 ص
بتوقيت القاهرة
لعلنا عرفنا، عند مستوى ما من اللاوعى الغريزى، أنها فترة من الأفضل نسيانها. وأيا ما كان السبب، فقد أمضينا العقد الأول من الألفية الجديدة دون الاتفاق حتى على تسميته. هل هو عقد الأصفار؟.. أم عقد الأشرار؟.. (أعرف أن الألفية بالمعنى الدقيق للكلمة لم تبدأ حتى عام 2001. فهل نهتم بذلك حقا؟)
ولكن، من وجهة النظر الاقتصادية، أقترح أن نسمى العقد المنصرم صفرا كبيرا. فقد كان عقدا لم يحدث فيه شىء جيد، ولم يتبين أن أيا من الأمور المتفائلة التى كان يفترض أن نصدقها كان حقيقيا.
كان عقدا لم يشهد توفير فرص العمل. سوف يكون رقم التوظيف فى ديسمبر 2009 مرتفعا عنه فى ديسمبر 1999، لكنه مجرد ارتفاع طفيف فحسب. كما تراجع التوظيف فى القطاع العام فعليا وهو أول عقد على الإطلاق يحدث فيه ذلك.
وكان عقدا بلا مكتسبات اقتصادية بالنسبة للأسرة العادية. والواقع أنه حتى فى أوج ما أطلق عليه «طفرة بوش» فى عام 2007، كان متوسط دخل الأسرة المعدل وفقا للتضخم أقل مما كان عليه فى عام 1999. وتعرفون ماذا حدث بعد ذلك.
كما كان عقدا بلا مكتسبات لملاك المنازل، حتى من قاموا بالشراء فى السنوات الأولى من العقد؛ فأسعار المساكن الآن، المعدلة وفقا لمستوى التضخم، تكاد تعود إلى ما كانت عليه عند بداية العقد. وأقول لأولئك الذين قاموا بالشراء فى سنوات منتصف العقد عندما سخر جميع الجادين من التحذيرات من أن أسعار المساكن لم تكن ذات قيمة، على اعتبار أننا كنا فى منتصف فقاعة عملاقة إنى أشعر بآلامكم.
فنحو نسبة الربع من جميع الرهونات العقارية فى أمريكا، و45٪ من الرهونات العقارية فى ولاية فلوريدا، صارت بلا قيمة تذكر، حيث تزيد مديونية الملاك عن قيمة المنازل التى يمتلكونها.
والأمر الأخير بالنسبة لمعظم الأمريكيين ولكنه ذو أهمية كبيرة بالنسبة لحسابات التقاعد والمتحدثين البارزين فى البرامج التليفزيونية المتخصصة فى شئون المال أنه كان عقدا بلا مكتسبات بالنسبة للأسهم، حتى دون وضع التضخم فى الاعتبار. هل تذكرون مدى الإثارة التى تحققت عندما وصل مؤشر داوجونز إلى مستوى عشرة آلاف نقطة للمرة الأولى، وتوقعت أفضل الكتب مبيعا مثل كتاب «داو 36 ألف» أن الأوقات الطيبة ستظل تتوالى؟.. كان ذلك عام 1999. وفى الأسبوع الماضى سجل سوق الأسهم عشرة آلاف و520 نقطة عند الإغلاق.
وهكذا كان هناك قدر كبير من الأصفار يحدث سواء بمقياس التقدم الاقتصادى أو النجاح. والمضحك هو كيفية حدوث ذلك. فمع بداية العقد، كان هناك شعور غامر بنشوة الانتصار الاقتصادى فى المؤسسات الاستثمارية والسياسية الأمريكية، اعتقادا بأننا نعرف ما نفعله أكثر من غيرنا فى العالم.
ولأقتبس من خطاب ألقاه عام 1999 لورنس سومرز، الذى كان نائب وزير الخزانة وقتها (وهو الآن كبير الخبراء الاقتصاديين فى إدارة أوباما). فقد قال: «إذا تساءلتم عن السبب فى نجاح النظام المالى الأمريكى، فستكون قراءتى للتاريخ على الأقل هى أنه ليس هناك ابتكار أهم من مبادئ المحاسبة المقبولة على نطاق عام؛
فهى تعنى أن يحصل كل مستثمر على المعلومات المقدمة على أساس مقارن، وأن هناك انضباطا مفروضا على إدارات الشركات من حيث الطريقة التى يقدمون بها تقاريرهم ويرصدون أنشطتهم». وواصل حديثه معلنا أن هناك «عملية مستمرة هى بالفعل ما يجعل سوق المال عندنا ينجح على النحو المستقر الذى يعمل به».
وهكذا، فما كان يصدقه السيد سومرز فى عام 1999 وللإنصاف، صدقه أيضا كل من كان فى موقع اتخاذ القرار فى ذلك الوقت أن لدى أمريكا أسلوب محاسبة شركات نزيها، وهو ما يجعل المستثمرين يتخذون قرارات جيدة، ويجبر الإدارة أيضا على التصرف على نحو مسئول؛ وهو ما ينتح عنه نظام مالى مستقر وكفء.
فما هى النسبة المئوية لما تبين أنه صحيح من كل ذلك؟ صفر.
ومع ذلك، فالمثير للعجب فعلا بشأن العقد الماضى هو عدم استعدادنا كدولة للتعلم من أخطائنا. فحتى فى الوقت الذى تبددت فيه فقاعة الدوت كوم، بدأ المصرفيون والمستثمرون السذج فى نفخ فقاعة جديدة فى قطاع الإسكان. وحتى بعد أن تبين أن شركات شهيرة مرموقة مثل إنرون ورلدكوم كانت مؤسسات خادعة ذات واجهات بنيت من المحاسبة المبتكرة، صدق المحللون والمستثمرون ادعاءات البنوك بشأن قوتها المالية، وقاموا بالشراء وسط الضجة التى لم يفهموها بشأن الاستثمارات. وحتى بعد أن تسبب مسئولو البنوك فى انهيار اقتصادى عالمى، وبعد أن تم إنقاذهم على حساب دافعى الضرائب، سرعان ما عادوا إلى ثقافة المكافآت الضخمة، والإفراط فى الاستدانة.
ثم هناك السياسيون. فحتى الآن، يصعب أن يوجه الديمقراطيون، بمن فيهم الرئيس أوباما، انتقادا بملء الفم للممارسات التى أوصلتنا إلى الفوضى التى نعانيها الآن. وبالنسبة للجمهوريين: فبعدما أوصلتنا سياساتهم المتمثلة فى تخفيض الضرائب وتخفيف القواعد التنظيمية إلى ورطة اقتصادية، مازالت وصفتهم للتعافى هى: تخفيض الضرائب وتخفيف القواعد التنظيمية.
لذلك، دعونا نودع الصفر الكبير العقد الذى لم نحقق فيه شيئا، ولم نتعلم شيئا غير مأسوف عليه. فهل سيكون العقد التالى أفضل؟.. ابقوا معنا. وكل عام وأنتم بخير.