الدولة ورجالاتها
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 8 يناير 2014 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
أحد الأسباب التى أراها خلف تأييد قطاعات عريضة من المجتمع للفريق «السيسى»، بالإضافة إلى عوامل أخرى، هو أنه يجسد مفهوم الدولة المصرية، مؤسساتها، شكلها، هيبتها، وهو المفهوم الذى يريد المجتمع استعادته بعد ثلاث سنوات قاسوا خلالها كثيرا من غياب الدولة، ومحدوديتها، وهيمنة ساسة هواة على شئونها، إلى حد أن أصبحت مؤسساتها الأساسية موضع هجوم وتشهير. الخبرة المصرية تشير إلى أنه منذ مطلع الخمسينيات تشكل ــ عمليا ــ «المؤسسة العسكرية» المورد الرئيسى لرجالات الدولة، الأكثر خبرة، وقدرة فى الإدارة، ولم تأخذ الأحزاب السياسية ــ التى كانت لعقود محجوبة عن ممارسة السياسة ــ فرصتها فى تخريج كوادر سياسية فنية وإدارية، لديها قدرات وخبرات فى تسيير مؤسسات الدولة، ووضع السياسات العامة. وبالتالى يظل جهاز الدولة فى مصر، وعنوانه الأساسى المؤسسة العسكرية، هو من يمتلك خبرات إدارة الدولة المصرية.
القوى السياسية، وكثير منها حديث العهد بالممارسة السياسية، ينبغى أن تشكل فى ذاتها مؤسسات تعليمية فى السياسة، ليست فى المساجلات السياسية، ولكن فى تخريج كوادر سياسية تمتلك قدرات وخبرات فنية وإدارية أسوة بما هو متبع فى الدول الديمقراطية: خبرات فى التعليم، الصحة، الإسكان، المالية، التخطيط، البيئة، الخ. البداية تكون فى تربية كوادر فى النظام المحلى، يقتربون من أعماق المجتمع، يعرفون كيفية إدارة السياسات المحلية، ثم يتجهون إلى الممارسة السياسية على المستوى القومى. وخلال رحلة الصعود من سفح الهرم إلى قمته، يتعلم الكادر السياسى مهارات فنية، وخبرات عملية، وأيضا يمكن أن يخضع لدورات تعليمية متخصصة، تزوده بالمعرفة المتخصصة، وتحيطه علما بخبرات مهمة على الصعيد الدولى، هنا يمكن أن يكون للأحزاب دور وشأن فى إدارة الدولة.
المهم الآن هو أن تتجه الجهود إلى بناء دولة ديمقراطية، تتغلغل قانونيا، وتنظم شئون مواطنيها. هناك من يريدها دولة «قمعية»، يريد استعادة نموذج دولة مبارك «المهجنة»: بعض مظاهر الديمقراطية، بعض مظاهر الاستبداد. هذه المعركة الحقيقية لاستعادة الدولة، وبنائها على أسس ديمقراطية تنموية، وليست سلطوية استبعادية.
وإذا كانت هناك غالبية من المواطنين تريد أن تعود «الرئاسة» إلى مؤسسات الدولة، وليست الطبقة السياسية، وهو اختيار له أسبابه ومبرراته، فإن ذلك مدعاة للقوى السياسية أن تضع خطتها وتصوراتها لإعداد كوادرها، واكتساب خبرات المأسسة والجماهيرية على مستوى الشارع. الجماهير لن تطمئن إلى الطبقة السياسية، التى لا تمتلك سوى حرفة «الكلام» دون أن يكون لديها كوادر تمتلك مشروعا سياسيا، وتخوض منافسة، وتستطيع حال فوزها أن تدير مؤسسات الدولة. الخبرة التى عاشها المجتمع المصرى مع حكم «محمد مرسى» كانت مُحبطة، شعروا خلالها أن دولتهم تتقلص، ومؤسساتها ــ التى تعانى من مشكلات جمة ــ لم تعد قادرة على العمل. ولم يكن مستغربا، وعلينا أن نمتلك شجاعة الاعتراف بذلك، أن الكوادر التى شغلت المؤسسات العامة فى عهد مبارك، وما سبقه، من رجالات دولة لم تخل من كفاءة وخبرات، صحيح أن بعضها انخرط فى الفساد، لكن كانت هناك مؤسسات، وقيادات لديها قدرات فنية وإدارية مقارنة بما جاء بعدهم.
يبدو أن المجتمع المصرى يحن إلى «الدولة ورجالاتها»، لكن بمزاق ديمقراطى، وحس اجتماعى.