فى هذه اللحظة هناك فقط أحد الطريقين
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 8 يناير 2025 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
تستطيع الجماعات والأفراد أن يعترضوا أو يحتجّوا أو يغضبوا ويتوعّدوا أو يتوسّلوا ويذرفوا الدموع من خلال كل وسائل التواصل الاجتماعى، وذلك من أجل مواجهة كوارث الوطن العربى المتراكمة دون توقّف أو محاسبة مسبّبها، لكنهم لن يفعلوا أكثر من ممارسة الهذر الكلامى والتنفيس عن الألم النفسى العابر المؤقّت.
وستصدق عليهم مقولة المسئولين والمهيمنين الشهيرة: «دعهم يقولون ما يريدون، أما نحن فإننا سنفعل ما يحلو لنا ونريد».
يصدق ذلك على الثنائى المهيمن المجرم الاستعمارى ــ الصهيونى وهو يمحوا شيئًا فشيئًا مجتمع غزة من الوجود، وهو ينتقل ليتحكم بكل مظاهر الحياة فى طول وعرض لبنان، وهو يخطط خطوة خطوة وبنجاح للسيطرة على كل شبر وثروة ومستقبل لسوريا التائهة المفتونة بنصر غامض مضحك مبكى، وهو يخطط لممارسة المزيد من القهقهات بحق المزيد من الأقطار والشعوب العربية فى المستقبل المنظور.
يستطيع الساسة المتفيقون، وبقايا المناضلين القدامى المتعبين، والمثقفون الحالمون، الجلوس أمام وسائل التلفزة والإذاعة وبقايا الصحف المهجورة لينشروا تعابير التفاؤل والأمل وقصص نضالات الماضى التحريرية ليؤكدوا أن الأمة العربية ستنتصر كما انتصرت فى الماضى، ولكنهم ينسون أن كل انتصارات الماضى المبهرة قد حققتها إرادات الفعل المحارب المضّحى المنظّم الشعبى وليس أقاويل وثرثرات وسائل التواصل الاجتماعى ومنصّات الإعلام التى يجلسون أمامها.
يا ليت هؤلاء يقرأون ما قاله عالم الرياضيات البولندى جاكوب برونوسكى: «العالم لا يمكن إمساكه إلا بالفعل، وليس بالتأمّل.. فالحّد القاطع للعقل هى اليد». أو يتمعّنوا فيما قاله الأمريكى جويل باركر: «الرؤى بدون فعل ليست إلا أحلامًا. والفعل بدون رؤى مضيعة للوقت. ما يغيّر العالم هما الاثنان، الرؤى مشفوعة بالفعل».
عندما واجهت إنجلترا الهجوم الألمانى فى بداية الحرب العالمية الثانية هتف زعيمها تشرشل بصوت عالٍ «اليوم هو الفعل» ولم يواجه الوضع الحرج بالقول «اليوم هو التفائل والثقة بالنفس». فالتفاؤل هو نتيجة الفعل وليس مسبّبه، والمتفائل، كما يقول المثل، هو الإنسان القليل الخبرة.
وقد عرف من بَنى الأحزاب القومية العربية العابرة للحدود فى أوائل تكوينها كل ذلك فشدّدوا على الأهمية القصوى للفعل النضالى الشعبى فى الحياة السياسية العربية. ولعلنا نتعلم من الأفذاذ من قادتها التاريخيين ونتجه نحو بناء أدوات الفعل الشعبى الوحدوى العربى من أجل تحويل الأفكار والرؤى والآمال إلى تغييرات جذرية كبرى فى الواقع العربى المشترك.
فى هذه اللحظة، وأمام أهوال الحاضر ومآسى الماضى السياسى الوحدوى النهضوى القريب، ليس أمام المهمومين الملتزمين إلا سلوك أحد الطريقين: إما بناء أحزاب أو حركات قومية وحدوية شعبية جديدة مكان تلك التى انهارت أو ضعفت، إذا لم تستطع الأخيرة إعادة بناء نفسها وإجراء تجديدات فكرية وتنظيمية تنقذها وتعيد الثقة فيها عند الجماهير، وإما بناء جبهة شعبية، مكونة من الأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية والحقوقية والاتحادات العربية الراغبة، تهدف إلى قيام وجود للمجتمع المدنى العربى فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية تعوض غياب العمل العربى الرسمى المشترك المأزوم والمنقسم على نفسه والمتراجع أمام الهجمة الصهيونية ــ الاستعمارية المتعاظمة الأخيرة.
فى كلتا الحالتين أصبحت كرة الإنقاذ فى ملعب المجتمع المدنى العربى الذى يجب أن تبادر طلائعه، بإرادة متجددة وروح نضالية محاربة، إلى إيقاف التراجع العربى الحالى المفجع.
سيحتاج السائرون فى أحد الطريقين إلى طليعة مبادرة قادرة على أن تقنع الجماهير بأن لديها الأفكار والوسائل والعزائم لوضع استراتيجية عمل جديدة فاعلة قادرة على قيادتها نحو استرجاع الزّخم النضالى الشعبى الوحدوى العروبى الذى كان ملء العين والبصر ورمز الفخار والاعتزاز منذ بضعة عقود فقط.
يقول شكسبير فى إحدى تمثيلياته: عندما يملأ صخب الحرب آذاننا، عند ذاك فقط سنمارس أفعال النّمور. يا شباب وشابات العرب لتمتلئ آذانكم بذلك الصخب، ولا غير ذلك الصخب.