عض الأصابع

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 8 فبراير 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

تصاعدت مشكلة التمويل الأجنبى للمنظمات المدنية على نحو ينذر بأنها سوف تستغرق وقتا طويلا، بعد أن قرر القاضى إحالة 19 مواطنا أمريكيا من الذين يعملون فى هذه المنظمات إلى المحاكمة. إضافة إلى عدد آخر من المصريين ومن جنسيات أخرى، أثبتت التحقيقات أنهم كانوا يعملون فى مصر بدون ترخيص، وأنهم تلقوا أموالا من الخارج بمبالغ ضخمة جرى إنفاقها فى أغراض سياسية.

 

وفى ضوء هذه التحقيقات أمرت المحكمة بمنع سفر نحو 40 شخصا. من بينهم عدد من موظفى المعهد الديمقراطى الحر والمعهد الجمهورى الديمقراطى. وفيهم سام لحود ابن وزير النقل الأمريكى. وبعضهم يحمل الجنسيات الصربية والألمانية والمصرية! (ما الذى أدخل الصرب فى هذه اللعبة؟)

 

لم تعجب هذه الإجراءات كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية، التى أبدت غضبها من تجرؤ السلطات القضائية المصرية على احتجاز الموظفين الأمريكيين والتحقيق معهم ومصادرة أوراقهم وأجهزة الكمبيوتر فى مكاتبهم. وسارع ما يقرب من أربعين عضوا فى الكونجرس إلى الاحتجاج لدى وزارة الخارجية الأمريكية. والضغط عليها لوقف المساعدات الأمريكية وقدرها 1.3 مليار دولار، أو تعليقها إلى حين الإفراج الفورى عن الموظفين الأمريكيين.

 

احتجت الإدارة الأمريكية بأن هذه الهيئات تعمل وتتعامل مع المنظمات الحقوقية المصرية منذ سنوات عديدة.. ولم تكن مسألة حصولها على ترخيص من الأمور التى اهتمت السلطات المصرية بها فى عهد النظام السابق. وتحت ستار العمل على نشر الديمقراطية والدفاع عن الحريات، كانت تعقد الاجتماعات وتوزع الأموال وتقام المشروعات. وفى تقرير أمريكى لصحيفة «هيرالد تريبيون» أن المعهد الجمهورى كان يعقد الاجتماعات المهمة فى الخارج، تجنبا لإثارة الشكوك أو تعكير صفو العلاقات مع حكومة الرئيس السابق!

 

والمشكلة كما تبدو ترجع إلى أسلوب تعامل النظام السابق مع المنظمات الأمريكية التى عملت فى ميدان حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، حيث تركت لها حرية العمل دون ترخيص. ومن خلال الثغرات القانونية والمواءمات السياسية حصلت هذه المنظمات على تسهيلات كبيرة فى تحويل الأموال وإنفاقها، وعدم التضييق على المنظمات الحقوقية المصرية التى تتلقى مساعدات أمريكية، ما دامت تعمل تحت رقابة الأمن وسمعه وبصره.

 

ومن الواضح أن السبب المباشر فى ذلك يرجع إلى أن المنظمات المصرية حرمت من تلقى مساعدات من أى جهات داخلية أخرى. وتركت ضحية لما تقدمه الدول الأجنبية: أمريكا والاتحاد الأوروبى من معونات ومنح. وأمكنها بذلك تحقيق بعض الأهداف التى ساعدت على نشر الاهتمام بحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن القوانين الأمريكية تمنع على المنظمات الحقوقية أى نشاط سياسى فى أمريكا، فإنها فى مصر ترك لها الحبل على الغارب. ومن المفهوم طبعا أن يؤدى تجفيف منابع الأموال الأمريكية إلى ثورة عارمة بين المنظمات المدنية المصرية، حين شن رجال الأمن حملة على مكاتب المنظمات فى ديسمبر الماضى. وهو ما يفسر أيضا ذلك الهجوم الضارى على التحقيقات التى يجريها القضاء!

 

تمر مصر الآن بمنعطف خطير، يجعلها عرضة لتدخلات خارجية ومؤامرات دولية. وأيا كانت الأسباب فإن ما يجرى الآن هو لعبة لعض الأصابع بين مصر وأمريكا. لكى تضطر مصر إلى فتح أبوابها أمام التدخلات الأمريكية بدون رقيب أو حسيب.. وقد أصبحت المساعدات هى سيف المعز وذهبه!

 

وفى ميونيخ هذا الأسبوع فى مؤتمر الأمن الأوروبى، شنت هيلارى كلينتون هجوما حادا على الحملة الأمنية التى يشنها الحكام العسكريون فى مصر على المنظمات الأمريكية والمحلية لنشر الديمقراطية. وهددت وزير الخارجية بأن موقف مصر من منظمات العمل المدنى من شأنه أن يؤثر على العلاقات، وعلى قرار تخصيص المساعدات السنوية بما يؤدى إلى تعليقها.

 

واشنطن لا ترى أى مبرر للمداهمات التى تعرضت لها المنظمات الأمريكية. ولكنها ــ فيما يبدو ــ لا ترى مانعا من اسثنائها وإعطائها وضعا خاصا يعفيها من المساءلة القانونية والقضائية التى تخضع لها سائر المنظمات. وهذا هو وجه الخلاف بين البلدين: إن الديمقراطية معناها سيادة القانون وهو ما تطبقه أمريكا نفسها فى بلادها. ولكنها تعترض حين تطبقها مصر!

 

لا جدال فى أن اهتزاز الأوضاع فى مصر قد بدأ يغرى قوى كثيرة أجنبية وعربية على محاولة النيل والتطاول على مظاهر السيادة المصرية. وسوف نرى ونسمع قريبا ردود الفعل فى الخارج حين يتم نقل الرئيس المخلوع من منتجعه الحالى إلى مستشفى سجن طرة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved