الرئيس الأجير القوى الأمين

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الأربعاء 8 فبراير 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

بدأنا الحديث، بعد طول غياب وممانعة من القابضين على إدارة المرحلة الانتقالية، عن موعد لفتح الباب الترشح للرئاسة. وسنجد أسماء كثيرة تطرح خلال هذه الفترة. ومن هنا يتذكر الإنسان الآية الكريمة القائلة: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين» والتى وردت على لسان ابنة شعيب. وقد جعلها كثيرون آية مركزية فى السياسة الشرعية لأنها تجمع عناصر الولاية: الاستئجار (من عرض وقبول للمنصب)، والقوة، والأمانة. وبما أن كتالوج التقدم فى الكون له قسمات مشتركة، فقد أشار ماركوس أوراليوس، الإمبراطور الرومانى الشهير، فى «تأملاته» لنفس المعنى، ومعلوم أنه سابق على الإسلام بخمسة قرون. ونجد الكتب المعاصرة فى موضوع «القيادة» تؤكد على نفس المعنى وإن كانت تضيف له أبعادا أخرى متنوعة فصلتُ فيها فى أكثر من مقال.

 

قال ابن تيمية: «اجتماع القوة والأمانة فى الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: «أشكو إلى الله جَلَد الفاجر وعجز الثقة».

 

وهو ما يجعلنا نفهم لماذا وضع ابن تيمية، ومن بعده ابن خلدون، خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان وزياد ابن أبيه والمغير ابن شعبة مع آخرين فى خانة من تفوقت عندهم القوة على الأمانة، دون أن نقدح فى أمانتهم قطعا، فهم فى النهاية، صحابة الرسول الذين مات وهو عنهم راض، وحسابنا وحسابهم عند خالقنا.

 

وفى المقابل وضع ابن تيمية بعض الأسماء مثل أبى ذر، وابن مسعود، وأبى موسى الأشعرى، وسلمان الفارسى وغيرهم كأمثلة لأشخاص فى نفس الخانة ممن تفوقت لديهم الأمانة على القوة. وكانت كلمات الرسول لأبى ذر مدخلا مهما لفهم هذه المعادلة: «يا أبا ذر إنى أراك ضعيفا.. لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم».

 

إذن حين تفوقت القوة على الأمانة، كان لدينا خالد ابن الوليد الذى يذكر ابن تيمية أن الرسول رفع يديه إلى السماء ذات مرة، وقال: «اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد.» وهو ما جعل عمر ابن الخطاب يستنكر قتله مالك بن نويرة، ثم يعزله فيما بعد ويقول: «إن فى سيف خالد رهقا».

 

وحين تفوقت الأمانة على القوة كان لدينا أبوذر بما عرف عنه من ورع وزهد، لكن هذا ليس كافيا كى يتولى أمانة الحكم بما تتطلبه من شكيمة وحسم وعدم الاستغراق فى البحث عن شعبية زائفة. المشكلة هنا أن تولية الأمين، حتى وإن لم تكن فيه من صفات القوة ما يكفى، أورثتنا مشاكل عديدة. أعود لابن خلدون الذى أوضح أن عثمان بن عفان «آنس فيه بعض الطامعين ضعفا». وقال عنه ابن تيمية: «لم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته.. فطُمِع فيه بعض الطمع، وتوسعوا فى الدنيا».

 

ولكن هناك نموذجا ثالثا لتكامل عناصر القوة والأمانة مثلما كان فى أبى بكر، وعمر، وعلى، وابن الجراح. وهناك نموذج رابع لانتفاء أى من هذه العناصر، وهو معنى «أن يلى أمورنا شرارنا».

 

هذا حديث الماضى الذى ينبغى أن نستدعيه من أجل المستقبل، لأن هذه التركيبة من الصفات ليست أمر حظ أو مصادفة وإنما لا بد من اختبارها عن قصد وتدبر فى الأشخاص المرشحين للولاية العامة عبر مؤسسات العمل المدنى والحزبى والتنفيذى كى نعرف من يصلح لماذا، ومن ذا الذى تتكامل فيه صفات النزاهة الشخصية مع الكفاءة المهنية.

 

الدرس المستفاد: لا تكرروا أخطاء الماضى البعيد والقريب. وآية خيانة الأمانة ألا يرى من يرشح نفسه للرئاسة الضعف الذى يجعله يضيع الأمانة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved