الشرف غالى
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 8 فبراير 2019 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
ظلت السينما طوال سنواتها تعزف على وتر الأخلاق الحميدة، ووقفت ضد الأشرار، تناصر الحق، ولهذا السبب فان المخرجين استخدموا الأمثال الشعبية لتكون عناوين للأفلام، كأن نقول «ماحدش واخد منها حاجة» و«العمر أيام»، و«الشرف غالى» وهذا هو عنوان الفيلم الذى أخرجه أحمد بدرخان، من بطولة نور الهدى، وجمال فارس وعباس فارس وعلوية جميل ومحمود شكوكو فى دور أقرب إلى البطولة عام 1951.
مشاهدة هذا الفيلم فى اليوتيوب للمرة الأولى باعتبار أن أغلبنا لا يعرفه تثير عدة أشياء للنقاش منها المنافسة غير الملموسة بين مطربتين جاءتا إلى السينما المصرية من لبنان، هما صباح ونور الهدى، حيث تحمس يوسف وهبى بقوة لنور الهدى وأتى بها من الجبل ومنحها اسمها الفنى وبطولة فيلمين ملأتهما بالغناء والحضور، الفيلمان هما «جوهرة» و«برلنتى» فى عامين متتالين فى النصف الأول من الأربعينيات، وسرعان ما أتت المنتجة آسيا بجانيت فغالى وأسمتها صباح، وقدمتها إلى بركات، فانهالت العروض على كل منهما بشكل مكثف، لكن لم تكن هناك خصومة، وربما لم يكن هناك تنافس رغم أنهما عملتا أمام نفس النجم لأكثر من مرة مثل محمد فوزى، وفريد الأطرش، وأنور وجدى، لكن فجأة انسحبت نور الهدى فى بداية الخمسينيات وعادت إلى بلادها تعمل فى افلام مجهولة لا يعرفها أحد عثرت على وثائقها بالمصادفة، وقد حدث الشىء نفسه لصباح فى الستينيات.
أما الأمر الثانى فهو عنوان الفيلم، حيث بدا الاسم كأنه يعكس مكانة الشرف فى حياتنا، وأنه فى المقام الأول يخص المرأة قبل أن يخص أى شىءآخر، حيث كانت الكلمة فى صدارة عناوين افلام كثيرة فى تلك الفترة مثل «شرف البنت» و«الشرف غالى» وفيما بعد سنوات كانت الكلمة فى افلام مثل «كلمة شرف»، و«أحلى من الشرف مافيش» و«الشرف».
أحمد بدرخان فى فيلم «الشرف غالى» يسير فى الخط الذى تميز فيه، وهو الفيلم الغنائى، وفى هذا النوع من الأفلام فان هناك فقط الغناء خاصة فى الصالات، حيث يمكن تقديم اسكتشات غنائية، وليس استعراضات، والذى يؤديها هنا نور الهدى، ومحمود شكوكو، فيما يشبه البطولة، والفتاة خضرة هنا هى امتداد لأفلام كثيرة صنعها بدرخان طوال حياته حتى فيلم «سيد درويش»، أما الموضوع فهو بالطبع يدور فى الصعيد حيث ترتفع قيمة الشرف، ويردد أبطال الفيلم دوما الجملة التى هى عنوان الفيلم، وكما أشرنا فهى تخص المرأة اكثر من أى مخلوق آخر، وهنا فإن خضرة تعيش مع عمها، وهو فى الوقت نفسه زوج أمها بعد وفاة الأب، تضطر إلى الدفاع عن شرفها عندما يحاول الباشا التحرش بها، فتدافع عن نفسها، ويسقط على الأرض ويصاب بالعمى، أما هى فتهرب، وتذهب إلى المدينة، وتلتقى بالفنان ابن البلد الذى يتعاطف معها ويكتشفها كمطربة، ويتغير اسمها إلى كوكب، بينما يأخذ العم ابنه محمد للبحث عن الفتاة الهاربة على مشارف محافظة المنيا، ويحدث أن تتعرف الفنانة كوكب على منير العائد من باريس، وتقع فى حبه، ويأخذها إلى العزبة كى تتعرف على ابيه، وهو الباشا الذى يستفيق ضميره ويعترف لابنه انه هو الذى أخطأ فى حقها.
لنعد ونؤكد أننا وسط هذه القصة فإن الفيلم عبارة عن مجموعة اغنيات متواصلة من بينها أغنية «الشرف غالى» لعبده السروجى، وهذا يعنى أن على الأغنية أن توقف حكى القصة، كى نعود من جديد إلى الحدوتة، وكما نلاحظ فإن أغنية واحدة فى الفيلم هى التى بقيت مع الزمن وهى «ياريت كل الناس فرحانة»، وكما هو ملحوظ فاننا أمام مخرج يثير الحيرة، عمل بشكل مكثف هو بدرخان، الذى نحن فى حاجة إلى اعادة اكتشافه فقد كان ظاهرة فى عصره، خاصة علاقته بالسينما الغنائية، فهو الذى أخرج أفلام أم كلثوم كلها الا فيلمين، وهو أول من قدم أسمهان فى السينما، وأخرج تسعة أفلام لفريد الأطرش، وقدم لمحمد فوزى ثلاثة أفلام، وايضا محمد الكحلاوى، ويبدو أن الكعكة كان متفقا عليها بينه وبين محمد كريم حول التعاون معه فيما يخص أفلام قام عبدالوهاب وأم كلثوم ببطولتها، كما قدم فيلما غنائيا لنجاة باسم «غريبة» 1958، وأنهى هذه المسيرة الغنائية بفيلم عن سيرة «سيد درويش» عام 1966