السودان فى مهب الريح

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأحد 8 مارس 2009 - 3:08 م بتوقيت القاهرة

 اهتز العالم العربى، وكان لابد له أن يهتز، لصدور قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئىس السودانى عمرالبشير، أول رئيس عربى يتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور، للمثول أمام المحكمة.

القرار كان متوقعا منذ سنوات، وقد ظلت آلة الإعلام الغربية تعمل دون كلل لتسليط الأضواء على ما يجرى من فظائع فى دارفور.. وتحذر وتنذر، وتمهد الطريق لتدخل دولى وشيك. شاركت فيه قوى دولية مختلفة منذ اكتشفت فيه ثروات ضخمة من البترول وغيره من المواد الطبيعية، وطوال هذه السنوات، بقى نظام الحكم فى السودان عاجزا عن رؤية الخطر المحدق وإطفاء نيرانه قبل أن يمتد إلى السودان كله، ووقفت الدول العربية تتفرج على الملهاة التى تحولت إلى مأساة فى نهاية الأمر.. سوف تفرض حصارا دوليا منيعا على تحركات الرئيس السودانى، وتجعل تنقلاته مغامرة محفوفة بالمخاطر، كما حدث مع الرئىس الصربى ميلوشفتش.

ربما كانت حكومة الخرطوم قد حاولت تسوية الصراعات القبلية والعرقية، التى شاركت فيها قوات الجيش السودانى وميليشيات الجنجويد، ولكن محاولاتها جاءت متأخرة، بعد أن استشرت حركات التمرد فى دارفور ضد حكومة الخرطوم، وأصبحت اتفاقيات السلام، التى سبق توقيعها مع الجنوب مهددة هى الأخرى.

وربما أيضا لم تستمع الخرطوم لنصائح عربية بأن تعمل على حل هذه الصراعات بالوسائل السلمية، وتمكين القبائل المتمردة من المشاركة فى الحكم وأخذ نصيبها من الثروة.. ولكن حكومة الخرطوم آثرت أن تسلك السبيل، الذى تسلكه معظم النظم العربية الحاكمة، باستخدام أساليب القوة والقمع.. التى زادت حدة وشدة مع زيادة التدخلات الأجنبية التى زودت أطراف الصراع بالسلاح.

صحيح أن ثمة ازدواجية فى المعايير وخللا جسيما فى تطبيق القوانين الدولية، وأن موازين العدالة العوراء قد تتغافل عن الجرائم والمذابح، التى ترتكبها إسرائيل كل يوم ضد الشعب الفلسطينى، ولكنها تقف بالمرصاد لأى أخطاء ترتكب فى السودان أو غيره من الدول العربية أو دول العالم الثالث.

وصحيح أن المخططات الاستعمارية للاستيلاء على ثروات أفريقيا ما زالت تفعل فعلها، وتفجر الصراعات والحروب الأهلية فى السودان والكونغو ورواندا وزيمبابوى وغيرها، لتكون ذريعة للتدخل والهيمنة ونهب الثروات الطبيعية وكسب أسواق جديدة..

وصحيح أن الرئىس البشير يستطيع أن يسخر من القرارات الجائرة، التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، ويطلب منها أن «تبلها وتشرب ميتها» على حدقوله، احتماء بتأييد شعبه وتمسكا بالسيادة الوطنية..

ولكن التجارب أثبتت ــ وهو ما لم تتعلمه الشعوب العربية حتى الآن ــ أن تحقيق العدالة داخل الوطن شرط لطلب العدالة خارجه، وأن السيادة التى لا تحميها قوة قادرة على الرد والردع ــ كما تفعل إسرائىل ــ لا تصمد طويلا أمام الضغوط والأطماع الدولية، وأمام موازين الثواب والعقاب التى يضعها ويفرضها الأقوياء..

ومن المؤسف أن يدخل السودان الشقيق بسبب هذه المؤامرة الدولية إلى نفق مظلم من المشكلات، التى ستنجم عن حصار دولى وملاحقة دؤوبة لاعتقال البشير، وهو ما سوف يؤدى إلى تفاقم الصراع فى دارفور وفى الجنوب مع مزيد من سفك الدماء وتغذية حركات التمرد والانشقاق، وقد يؤدى إلى تدخل دولى يفضى إلى تقسيم السودان، خصوصا أن ثمة مخططات استعمارية قديمة وأطماعا جديدة برزت ملامحها على السطح، وهذه تطورات لا تعرض أمن السودان وسيادته وحده للخطر، بل تعرض أمن مصر القومى بالتالى لتهديدات يصعب تقديرها.

قد تنجح الجهود العربية لحمل مجلس الأمن على تأجيل القرار لمدة عام، ولكن هذا لن يكون غير علاج مؤقت.. وقد يطيح بالاستقرار فى السودان!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved