بزوغ توازن للقوى فى الشرق الأوسط
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 8 مارس 2015 - 9:45 ص
بتوقيت القاهرة
تشهد خطوط الصراع فى الشرق الأوسط تغيرا منذ فترة. فقد دفعت القوة الفوضوية للدولة الإسلامية (داعش) القوى الرئيسية فى المنطقة ــ تركيا والسعودية وإيران ــ إلى إعادة التفكير فى العلاقات القائمة منذ عقود والاستراتيجيات الإقليمية. ويتجلى هذا بصورة أكثر وضوحا فى ساحة المعركة السورية العراقية، حيث كانت معركة طائفية بالوكالة الحاضنة للتوازن الناشئ فى القوى. وعلى الرغم من أن الفوضى قد تبدو على السطح، فإن هذه الدينامية تتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة فى المنطقة على المدى الطويل.
وانتقد الكثيرون قرار واشنطن عدم القيام بدور أكثر مباشرة فى احتواء العنف فى سوريا أو الاعتماد على القوات المحلية لمكافحة الدولة الإسلامية فى العراق. ولكن الضرورات الجيوسياسية العالمية للولايات المتحدة تتطلب توازن القوى فى الشرق الأوسط، بحيث تتحمل الجهات الإقليمية الفاعلة على نحو أكبر عبء إدارة مشكلات المنطقة. وبدأ رفض واشنطن الانجرار مرة أخرى إلى حرب برية جديدة فى الشرق الأوسط، يؤتى ثماره ببطء، حيث تعاود تركيا بحذر دخول مجال نفوذها السابق على طول حدودها الجنوبية، لتعادل المنافسة السعودية الإيرانية التى غذت الكثير من أعمال العنف وزعزعة استقرار الشرق الأوسط.
•••
وتناولنا سابقا محاولات مصر صياغة استجابة للضغوط الإقليمية العربية، المركزة تحديدا ضد الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات المتشددة الإقليمية أخرى، التى تهدد إدارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى. وتفتقر القاهرة إلى الثقل الجغرافى السياسى اللازم لتشكيل النتائج فى سوريا أو العراق، ناهيك عن التغيير على مستوى المنطقة. ومع ذلك، تعتبر مصر جزءا حاسما من محاولة أوسع نطاقا تجريها المملكة العربية السعودية، مستخدمة دورها فى العالمين العربى والسنى، للتقارب مع تركيا من أجل مكافحة كل من الدولة الإسلامية الناشئة وإيران. والتحديات كثيرة، ووربما تثبت الأيام أن التماسك الإقليمى السنى مثله مثل إقامة تحالف عسكرى عربى مستقر. وقد ساعدت السعودية ــ حتى لو لم تقدم شيئا آخر ــ فى استكمال ما بدأته الولايات المتحدة: دفع أنقرة إلى القيام بدور أقوى فى المنطقة.
وفى الأيام الماضية، وصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ووفد من السياسيين الأتراك إلى الرياض للاجتماع مع نظرائهم السعوديين، ومن بينهم الملك السعودى الجديد سلمان بن عبدالعزيز. ولم يعلن عن تفاصيل المحادثات، ولكن الجانبين اتفقا على العمل معا فيما يتعلق بسوريا. وتمثل اللقاءات، فضلا عن الاتفاق، تمثل تحولا ملحوظا فى العلاقات بين القوتين السنيتين الرئيسيتين فى منطقة الشرق الأوسط. وكانت السياسة الخارجية التركية (خاصة تحت قيادة أردوغان وحزبه العدالة والتنمية) قد دفعت التيار الرئيسى للإسلاميين، إلى الذعر من الحكومة السعودية فى ظل الملك السابق عبدالله. ولا تزال المملكة العربية السعودية ترى أن جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الديمقراطية الإسلامية السنية، تشكل خطرا على الاستقرار الوطنى على المدى الطويل، ولكن التهديدات المتزامنة التى تمثلها الدولة الإسلامية وإيران تطلبت تحولا فى التكتيكات.
كما أعادت المملكة العربية السعودية أيضا إعادة مشاركة قطر ــ الدولة التى، على غرار تركيا، تدعم الإسلاميين المعتدلين. وقد سبب هذا الدعم لهما خلافا مع الرياض يتسع نطاقه، فى بعض الأحيان، ليضعهما فى اتفاق مع موقف إيران (مثل معارضة الدول الثلاث الإطاحة بالرئيس المصرى محمد مرسى عام 2013). وهناك مؤشرات متزايدة على أن الرياض وأنقرة والدوحة تعمل الآن معا ودعم مجموعات مماثلة من المتمردين فى سوريا، على النقيض من دعم (قوى أحيانا) قوات المتمردين المتنافسة. وفى شمال سوريا، بوجه خاص، على طول الحدود مع تركيا، تتمتع جماعات مثل الجبهة الشامية ــ هى بداية لتتمتع بقاعدة أوسع من الدعم الإقليمى، بينما تواصل الخليج تقليص دعم المزيد من متمردى الجناح اليمينى السلفى الجهادى ــ مثل جبهة النصرة.
وفى العراق المجاور، تعمل المملكة العربية السعودية والأردن مع رجال القبائل العربية السنية الساخطة لتوسيع ائتلاف عراقى يقاتل الدولة الإسلامية، حتى بينما تعمل تركيا مع كل من القوات الكردية وقوات بغداد لتعزيز المواقف المناهضة للدولة الإسلامية فى العراق. ولكن، هذا التعاون السنى لا يخلو من التحديات،. فكل من تركيا والمملكة العربية السعودية ترغب فى تشكيل مستقبلى سوريا والعراق وفقا لمصالحها الاستراتيجية، كما أن الرياض وأنقرة فى نهاية المطاف تتنافسان على النفوذ فى المنطقة. وعلى كل منهما أيضا التعامل مع إيران.
•••
وقد تعرض تأثير إيران على محيطها الغربى للجزر والمد خلال نحو 2500 سنة. ومع ذلك، منذ سقوط نظام صدام حسين فى عام 2003، كانت إيران قادرة على تعزيز العلاقات فى العراق لخلق قوس من النفوذ الشيعى من حدودها إلى شرق البحر المتوسط. ويعتبر العراق جوهر استراتيجية الشرق الأوسط فى إيران. ويمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق النفوذ الإيرانى فى العالم العربى، كما حدث مرات عديدة فى التاريخ، تكون مبررا لغزو أجنبى لإيران. فمن المنطقى بعد ذلك أن تكثف إيران تدخلها العسكرى المباشر فى العراق خلال الأسبوع الماضى، حيث شاركت قوات الحرس الثورى الإسلامى مع الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران، قوات الجيش العراقى وعدد محدود من العناصر القبلية السنية فى معركة تكريت.
وبالإضافة إلى الدعم الإيرانى والشيعى لحكم الرئيس السورى بشار الأسد (عملت سوريا تاريخيا كممر مهم لتوصيل الدعم المادى الإيرانى إلى حزب الله)، زادت إيران وجودها العسكرى عبر كل من سوريا والعراق لمحاربة الدولة الإسلامية (داعش). وفى حين تحاول تركيا والمملكة العربية السعودية توسيع نفوذها فى كل من من الدولتين، اضطرت ايران إلى الوقوف فى موقف دفاعى، سعيا للاحتفاظ بعناصر النفوذ الذى كانت تتمتع به خلال الفترة بين الغزو الأمريكى للعراق واضطرابات الربيع العربى عام 2011. وكان هذا التحول الاستراتيجى أحد عوامل دفع طهران للتفاوض مع الولايات المتحدة من أجل الحصول على الاعتراف بتواجدها فى العالم العربى والحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية، وإن كانت ضعيفة.
•••
وبينما يؤدى التهديد الذى تشكله الدولة الإسلامية يؤدى إلى علاقة عمل واهية بين أنقرة والرياض، تنطوى الخطة الأمريكية لموازين القوى فى المنطقة على تغيير أكثر من ثلاثة عقود من العلاقات المتوترة مع حليفها السابق إيران. ويثير تورط إيران المباشر فى معركة تكريت تساؤلات حول معركة الموصل فى نهاية المطاف، حيث تزيد الميليشيات الشيعية وجودها ببطء، وتخطط الولايات المتحدة لمساعدة القوات الكردية والعراقية فى القتال ضد الدولة الإسلامية.
ولا شك التنسيق مع إيران مهم بالنسبة للولايات المتحدة. ومع ذلك، ربما لا ترى واشنطن أن ايران ضعفت للغاية (أو بشكل مؤكدا)، وتشكل المنافسة المباشرة بين طهران والرياض تهديدا كبيرا جدا بزعزعة الاستقرار الإقليمى – مما يستلزم دورا تركيا أكبر فى المنطقة. وهكذا نرى خطوط المعركة متقاربة، اتداخل وتمزج لتطرح توازنا ماشئا فى القوى.
جورج فريدمان