ذهب الظمأ.. وابتلت العروق
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 8 مارس 2024 - 6:15 م
بتوقيت القاهرة
دارت الأيام دورتها.. ونحن الآن على أعتاب أيام فريدة ننتظرها فى كل عام وكأننا قضينا أعواما فى الانتظار.. شهر رمضان الكريم.
لكل منا دون شك ذكرياته التى تتجدد مع كل عام فى شهر رمضان ولكل منا حواره مع نفسه فى تلك الأيام التى تختلف فى صور كثيرة عن أيام الزمن العادية والتى قد تمر دون أثر نذكره أو ذكرى نحتفظ بها.
تظل أيام رمضان فى أوراق الصبا والنشأة هى الباقية فى ثبات.. فى ذاكرتى أحاديث أبى وكل عاداته وحرص أمى على التقاليد وكل ما يمكن أن يجلب للقلب البهجة من سلوك وتصرفات. جمعنا بعد سعى النهار لصلاة المغرب ثم تناول الإفطار «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وعليك توكلت وإليك أنبت وإليك المصير.. ذهب الظمأ وابتلت العروق».
كان هذا دعاء أبى رحمه الله الذى نبدأ بعده الإقبال على طعام الإفطار، كنت أعجب دائما من حديثه عن الظمأ فى موقف الجوع حتى مر بى العمر وتوالت التجارب فأدركت أن الماء هو القصد، فالإنسان لا يقتله الجوع إنما يغتاله الظمأ إذا ما تمكن منه.
كان لى هذا الأسبوع أن أتابع عن قرب الحوار الدائر بين زملائى الأفاضل أطباء معهد القلب القومى على مجموعة للتواصل الاجتماعى الغرض منها تواصل الأفكار وإبداء الرأى فيما يهمنا أو يعرض لنا من قضايا فكر أو علم.
دار الحوار حول موضوع الساعة وإجابة السؤال الأشهر الذى يوجهه كل مريض لطبيبه فى بداية شهر الصوم «هل يمكننى الصوم؟».. السؤال الذى يعرف المريض إجابته جيدا لكنه فى الواقع مستعد ذهنيا ونفسيا لرفضها!
دار حوار الزملاء حول الضوابط التى يمكن وضعها للرد على السؤال بصورة مؤكدة ملزمة للجميع أطباء ومرضى وهل هذا ممكن؟
منح الله سبحانه ذلك الحق للطبيب المسلم المجتهد الفقيه فرخص له أن يبيح الإفطار لمريضه فى شهر الصوم اعتمادا على كريم رغبته فى أن يخفف عن عباده أعباء عبادة فيها الكثير من المشقة ولها عظيم الأجر.
فهم الطبيب للأمر يجب أن يدعمه الاجتهاد: القراءة المتأنية فى الأحكام الشرعية والفهم الواعى لأحكام العبادات إلى جانب الفهم المدرك لأثر الصوم على الجسد البشرى السليم والمريض علميا.
نعم: هناك قواعد عامة يمكن أن يعتمد عليها الأطباء بعد إجماع منهم كتلك التوصيات التى تصدر عن مؤتمرات تعقد فيها ندوات خاصة بمناقشة موضوع الصوم، ولكن هناك أيضا مؤشرات خاصة تختلف من مريض لآخر، حتى لو كان التشخيص واحدا. الأمر بالفعل شخصى تماما يختلف من مريض لآخر، لذا فالأمر متروك عن قصد للطبيب وحده اعتمادا على علمه وضميره وفهمه للأمور وإدراكه لكل العوامل التى تدور فى فلك مرض مريضه وحالته الصحية بوجه عام، ثم طبيعة مرضه الخاصة، وتاريخ هذا المرض، وهل هو مرض وراثى أم مكتسب، حاد أو مزمن؟
لذا فالأمر بالفعل فى النهاية خاضع لما يراه الطبيب وفقا لخريطة المرض والمريض والتى تختلف من إنسان لآخر فى الكثير من التفاصيل.
للحديث إن شاء الرحمن بقية
رمضان كريم لكم جميعا
كل عام وأنتم بخير.