رسالة أسوان للسيسى
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 7:20 ص
بتوقيت القاهرة
بدون برنامج انتخابى سياسى يحصل على موافقة جماهيرية معتبرة، لن ينجح عبدالفتاح السيسى، المرشح المحتمل للرئاسة، فى تحقيق أى انتصار ضد الإرهاب، ولن تكون «حروبه» فى سيناء هى أولى أزماته الكبرى، كما لن تكون مجزرة أسوان محطته الأخيرة مع هذه الأزمات، ليس فقط لأن الإرهاب والعنف هما نتاج أوضاع اقتصادية ــ سياسية ــ اجتماعية ــ ثقافية بائسة يجب أن يضع البرنامج الانتخابى لأى رئيس حلولا لها، ولكن لأن السيسى بالتحديد حصل على شرعيته السياسية للترشح للرئاسة، بتفويض طلبه من الشعب وحصل عليه لمواجهة الإرهاب، وبالتالى فإن فشله فى هذه المهمة يعنى بوضوح فشله كرئيس، حتى لو نجح فى الانتخابات كما هو متوقع!
المعركة مع الإرهاب والعنف المجتمعى، هى فى الأساس معركة ضد الفقر والفساد والاستبداد، وهو أمر إن لم يدرك حقيقته السيسى ومن يقفون خلفه، فإنه لن يكمل عامه الرئاسى الأول، إلا وامتلأت ميادين مصر بالمظاهرات التى تطالب بسقوطه، وساعتها قد نجد أنفسنا غارقين فى آتون حرب أهلية، تعد لها مافيا الإخوان وشركاؤها فى الداخل والخارج، وتنتظرها على أحر من الجمر.
لا أحد يشكك فى أن «الرئيس» السيسى سيرث تركة ثقيلة، محملة بأزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة، ولكنه فى نفس الوقت أمامه فرص لم تتوافر لأى رئيس قبله، فبعد ثلاث سنوات من ثورة يناير طرأت تغييرات هيكلية على العقل السياسى ــ الثقافى المصرى، منها انكسار حلقة الاستبداد وسقوط هيبة الحاكم الفرعون التى ميزت ربما تاريخنا كله، فلن يقبل المصريون بعد هذه الثورة حاكما نصف إله، معصوم من الخطأ، يفهم مالا يفهمون، ويمتلك قدرات خارقة تجعله حكيم الحكماء، ويمتلك قداسة رب العائلة الذى يملك ويحكم فى نفس الوقت، ويتخذ ماعن له من قرارات، وليس علينا إلا السمع والطاعة!
الشعب المصرى تغير، فئاته المختلفة تطالب بحقوقها بجسارة، أقباطه خرجوا من عزلتهم السياسية التى فرضها عليهم نظاما السادات ومبارك، المرأة المصرية تشارك بقوة فى المظاهرات والحياة العامة، الطبقة العاملة تمارس حقوقها فى الإضراب والتظاهر، وهى كلها تغييرات ينبغى أن يحسب لها السيسى حسابه، ويضعها فى برنامجه الانتخابى، لأنها كلها عوامل يمكن البناء عليها لتحقيق نهضة مصرية فى كل المجالات، تعيد بناء مجتمعنا على أسس حداثية نحل بها كل أزماتنا المزمنة..
حتى الآن، تبدو انحيازات السيسى الاجتماعية غامضة، لا نعرف الطبقات التى تؤيده، ولا الطبقات التى سوف يستند إليها نظام حكمه، وكل تصريحات الرجل موجهة إلى كائن هلامى غامض اسمه الشعب، تتجاهل أى تناقضات أو صراعات بين طبقاته، وحتى لو قدم السيسى برنامجا انتخابيا مثاليا، فإن الكثيرين تنتابهم مخاوف مشروعة من مدى التزامه بتنفيذه، فنحن لا نعرف مرجعيات الرجل الفكرية والسياسية، وموازين القوى أمامه لا تحول دون أن يصبح ديكتاتورا جديدا، ورغم كل ذلك فإن الأحكام سابقة التجهيز على السيسى ستكون بالتأكيد غير عادلة، فالرجل طبقا للأوضاع الراهنة يستحق فرصة يثبت لنا فيها من هو بالضبط كرئيس، وما هى اختيارات وتوجهاته؟
مهام السيسى عندما كان وزيرا للدفاع ليست كمهامه عندما يصبح رئيسا، وقد جاءت مجزرة أسون ــ كرسالة معمدة بالدم ــ لتصنع هذا الفارق بين المهمتين، فالوزير السيسى لم يكن مطلوبا منه سوى شن الحرب على الارهاب فى سيناء، أما الرئيس السيسى فالمطلوب منه تقديم برنامج لحل مشاكل اجتماعية ــ اقتصادية ــ ثقافية فى كل محافظات مصر من الأسكندرية.. حتى أسوان المكلومة.