أهداف العلاقات المصرية الأمريكية
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
السبت 8 أبريل 2017 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
قام رئيس الجمهورية بزيارة الولايات المتحدة فى الأسبوع الماضى يرافقه وفدٌ كبير العدد رفيع المستوى، فاستقبله الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض أحسن استقبال. كان الرئيس ترامب سخيا فى الترحيب بالرئيس السيسى منذ ما قبل وصوله إلى العاصمة الأمريكية وأثناء مكوثه بها. من المنظور الرسمى المصرى، الزيارة ناجحة بكل تأكيد وليس أدل على ذلك من البيان المقروء الذى صدر عن البيت الأبيض فى ختام المباحثات بين الرئيسين. البيان يبدأ بالإشارة إلى أن الزيارة كانت تبغى تدعيم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر وأنها «بداية يوم جديد فى العلاقات بين البلدين». يعبر البيان عن اتفاق الرئيسين فى شأن المسألتين الرئيسيتين اللتين تهمان الرئيس المصرى، ألا وهما محاربة الإرهاب والإصلاح الاقتصادى، وهو ما يعنى مساندة الرئيس الأمريكى للمنهج المصرى فى شأن هاتين المسألتين. البيان المقروء يشير أيضا إلى اتفاق الرئيسين حول ضرورة تحقيق السلام فى الشرق الأوسط بما فى ذلك فى سوريا وليبيا واليمن، كما نوه باتفاقهما على أن من «المصلحة المتبادلة للبلدين» «مساندة الإسرائيليين والفلسطينيين فى التحرك نحو سلام حقيقى ودائم».
العلامات على نجاح الوفد المصرى الذى زار واشنطن تجدها أيضا فى صياغة البيان وهى صياغة من المرجح أن الوفد المصرى تدخل فيها، ففى البيان إشارة إلى أن الرئيس ترامب أشاد «بجهود الرئيس السيسى الشجاعة لتقديم فهم معتدل للإسلام» وأن «الرئيسين اتفقا على ضرورة الاعتراف بالطبيعة السلمية للإسلام وللمسلمين فى العالم». أن يصدر عن الرئيس ترامب مثل هذا الاعتراف، وهو الذى سبح على موجة كراهية الإسلام وغذاها، هو نجاح للوفد المصرى، والشىء نفسه ينطبق على الإشارة فى البيان إلى أن «خطة الإصلاح الاقتصادى المصرى الطموحة» هى خطة وضعت فى مصر، وهو ما يعنى الحرص على نفى أن تكون هذه الخطة قد فرضها من الخارج صندوق النقد الدولى أو غيره.
فى البيان أيضا إشارة إلى التزام الرئيس ترامب «العميق بأمن مصر واستقرارها ورخائها، وبالاستمرار فى تنسيق الجهود العسكرية والدبلوماسية والسياسية لدحر الإرهاب». وانتهى البيان بوصف الزيارة بالتاريخية وبالنص على التزام الحكومتين «بالاستمرار فى عملية تطوير الشراكة بين الولايات المتحدة ومصر وتعميقها». لا مراء فى نجاح الزيارة على مستوى كل من التفاهم بين الرئيسين فى اجتماعاتهما وتأثير الوفد المصرى على صياغة البيان الأمريكى الذى قرئ بديلا عن بيان مشترك وهو التقليد المعتاد فى اجتماعات رؤساء الدول. يبقى النظر إلى نجاح الزيارة فى أن تثمر نتائج ملموسة، وفى أن تحقق العلاقات المصرية الأمريكية الأهداف الأوسع والأبعد لمصر وللسياسة المصرية فى الداخل والخارج معا.
***
المتابع لزيارة رئيس الجمهورية للولايات المتحدة يتساءل عما دار فعلا فى المباحثات بين الرئيسين والوفدين. مجرد اللقاء وتعرف كل طرف على مواقف الطرف الآخر مهم ولا شك، ولكنه ليس كافيا. هل تعمد البيان عدم الكشف عما دار فى اجتماعات الجانبين أم أن البيان كان صادقا فى نقله لما جرى؟ أغلب الظن أن البيان كان صادقا، فالرئيس ترامب لا قِبَلَ له بتفاصيل الحكم وهو لا يتوقف عندها، وبالمناسبة فهو لذلك لا ينجح فى ترجمة مواقفه التبسيطية المعلنة إلى سياسات تنفذ، والبيِنة على ذلك فشله مرتين فى وقف دخول مواطنى ثمانية ثم من سبعة بلدان ذات أغلبية مسلمة من السكان إلى الولايات المتحدة، وفشله فى إلغاء قانون التأمين الصحى الصادر فى عهد الرئيس باراك أوباما، وهو الإلغاء الذى كان حجر زاوية فى وعوده الانتخابية.
التفاصيل ربما بحث رئيس الجمهورية بعضها مع وزيرى الدفاع والخارجية أو مع مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى، أو تعرض لها أعضاء الوفد المصاحب له فى لقاءات مع نظرائهم الأمريكيين، أو سيجرى تناولها مستقبلا بين المختصين من الجانبين. غير أن تصريحا للرئيس السيسى بعد لقاء أولى بالرئيس الأمريكى يثير التأمل. قال رئيس الجمهورية ما معناه أنه يؤيد السعى إلى حل شامل للقضية الفلسطينية وأنه يثق فى قدرة الرئيس ترامب على تحقيق هذا الحل، بل وذهب رئيس الجمهورية فيما بعد إلى وصف هذا الحل «صفقة القرن». الرئيس الأمريكى الجديد معروف بعاطفته تجاه إسرائيل، وهو عين شخصا معروفا بتماهيه مع إسرائيل كممثل له مسئول عن تحقيق السلام العربى الإسرائيلى وعن حل القضية الفلسطينية، وعين شخصا آخر نصيرا بل جزءا من حركة الاستيطان فى الضفة الغربية سفيرا له فى إسرائيل. هذه المعطيات، فضلا عن تصريحات سابقة للرئيس ترامب، كافية لإثارة ما يتعدى القلق، فإن أضيف لها أن الرئيس ترامب جاهل بقواعد الإبحار فى مياه السياسة الأمريكية يصبح التساؤل عن احتمال نجاحه فى مبتغاه مشروعا. الأمر يزداد تعقيدا وخطورة عندما يخطر للمتابع أن هذا الجهل بقواعد الإبحار فى السياسة الأمريكية، الذى يؤدى إلى فشل الرئيس ترامب فى السياسة الداخلية، قد يكون حافزه لتعويض هذا الفشل بالتحرك فى شأن القضية الفلسطينية معتمدا على أطراف عربية تمارس ضغوطا على الشعب الفلسطينى ولا تزرع له العراقيل، كالتى يقيمها القضاة من ولاية واشنطن إلى ولاية هاواى فى وجه منع دخول مواطنى الدول الإسلامية السبع إلى الإقليم الأمريكى، أو تحاكى امتناع نفس نواب حزبه عن تأييد إلغاء قانون أوباما. القضية الفلسطينية أريقت فيها الموارد الاقتصادية والعاطفية والنفسية لقرن من الزمان ولذلك فإن تسويتها مما يهم الشعب الفلسطينى وكل الشعوب العربية. هذه تسوية لا يمكن التعويل فيها على نوايا الرئيس الأمريكى، حتى إن كانت نوايا حميدة، وهو المشكوك فيه أصلا.
***
المسألة الثانية التى تتراءى للمراقب تتعلق بالأهداف البعيدة التى تتطلع مصر إلى تحقيقها من وراء علاقاتها بالولايات المتحدة. العلاقات الخارجية هى وسائل يحقق بها أى بلد من البلدان أهدافه، وهى أهداف تنبع من نظرته إلى نفسه ومن فهمه للعالم ولوضعه فيه. من يشغل مؤسسة الرئاسة الأمريكية شخصية عابرة، هى تشغلها على أقصى تقدير لثمانى سنوات وربما اقتصر شغلها لها على أربع سنوات كما حدث فى التاريخ القريب للرئيسين جيمى كارتر وجورج بوش الأب. مواقف الرئيس الأمريكى ومبادئه والقيم التى يعتنقها على النقيض من نظرة مصر الحديثة المعاصرة إلى نفسها وإلى العالم ووضعها فيه. من جانب آخر، قابلية مواقف الرئيس ترامب ومبادئه وقيمه للديمومة مشكوك فيها تماما. ومن حسن الحظ أنها كذلك، من وجهة نظر مصرية وعربية ومن منظور بلدان الجنوب من العالم وشعوبه. الرئيس ترامب واليمين الأمريكى الذى يسانده يقدِمان محاربة الإرهاب و«داعش» و«القاعدة» وأخواتهما على غيرها من الأولويات وهو ما يتفق مع أولوية لدى مصر فى الوقت الحاضر. ولكن نظرة اليمين الأمريكى إلى العالم وإلى البشر والعلاقات بينهم هى نظرة استعلاء وتمييز.
إن تَركَ اليمين الأمريكى، وغيره من التيارات اليمينية فى العالم، خاصة الشعبوية منها والفاشية، للحكم فى كل بلد من البلدان وشأنه والانصراف عن الاهتمام بالظروف السياسية التى تعيشها الشعوب هنا وهناك ليس احتراما «للسيادة» أو «لاستقلال كل بلد بقراره الوطنى»، وإنما هو فى حقيقته تعالٍ على هذه الشعوب وازدراء بقيم المساواة بين البشر واعتقاد راسخ بعدم جدارتها بنفس الظروف التى يعيش فيها هذا اليمين. بل إننا قد نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إن هذا اليمين جد خطير فى نفس بلدانه وعلى السلام العالمى فهو مقتنع بتفوقه الأخلاقى وبأن هذا التفوق يرتب له حقوقا أعلى مرتبة من حقوق الآخرين. قد يمكن تصنيف الرئيس ترامب على أنه ينتمى إلى هذا اليمين أو قد لا يمكن ذلك، ولكن جانبا مهما من أنصاره وممن استعان بهم فى الحكم من هذا اليمين. هذه قضية لا يمكن أن نقول إنها لا تخصنا، فما بالنا نحن بهذا اللغو وبهذه المثل البعيدة عن الواقع. إن هذه قضية تخصنا تماما سواء نظرنا إلى أنفسنا كمصريين فقط، أو كعرب، أو كشعب ينتمى إلى جنوب العالم، أو حتى كمسلمين غافلين عن الأقباط من بيننا. فى كل هذه الحالات نحن من الشعوب التى عانت من الاستعمار، المتخلفة والمتطلعة إلى التنمية والتقدم. المساواة بين البشر فى قيمتهم وكرامتهم، وديمقراطية العلاقات بينهم، دوليا، كما وطنيا، أساسية فى نظرتنا إلى أنفسنا وفى فهمنا للعالم ولوضعنا فيه، ثم إن هذه هى القيم الحقيقية التى ستعيننا على تحقيق أهدافنا الخاصة بالنهوض الاقتصادى والاجتماعى، بل وعلى دحر الإرهاب، وعلى تحقيق السلام فى المنطقة التى نعيش فيها وفى العالم.
ونحن نتعامل مع الرئيس ترامب ومع غيره لا بد أن تكون حاضرة فى أذهاننا أهدافنا بعيدة المدى، ونظرتنا، ونظراتهم، لنا وللعالم ولوضعنا فيه.