إلى متى تستخف إثيوبيا بدول المصب؟
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 8 أبريل 2021 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
عندما وقعت مصر اتقافاتها بشأن تقاسم مياه النيل مع السودان عام1959، وقبل ذلك الاتفاق مع إثيوبيا عام1902 حول شروط التعامل مع مياه النيل ونزع الأراضى لصالحها، كان عدد سكان مصر محدودا للغاية، وكان الأمر مقبولا للجميع. لكن شح المياه أصبح اليوم أولى أولويات ومشاغل الدولة والمجتمع فى مصر مع إقدام إثيوبيا على مشاريعها المائية دون مراعاة دول المصب.
فوفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن متوسط نصيب الفرد من استهلاك المياه أصبح عام 2017 نحو 570 م مكعبا سنويًا. وكان هذا المعدل قد انخفض مع زيادة عدد السكان من عام 1897 إلى عام 1937 من 5000م3 سنويًا إلى 3500م3. وتواصل الانخفاض أعوام1970 و1980 و1990 و2005 ليصل على التوالى إلى 1713م3 و1318م3 و1034م3 و805م3. جدير بالذكر أن حد الفقر المائى يبدأ عندما يصل معدل نصيب الفرد من المياه سنويًا إلى 1000م3.
والمياه مصدر حياة، يقدر أى شعب على تحمل لوقت احتلال جزء من أراضيه، أو حتى حصاره غذائيًا، لكنه لا يقوى على نقص المياه إلا بثورة عطشى تجاه كل من يحتجز المياه. وفى دولة كمصر مناخها شبة صحراوى وتنضب فيه موارد المياه، يصبح النيل هو شريان حياة، ومن ثم فإن العبث به، كأن يقال إن الاتفاقات الموقعة استعمارية أو يجب العدول عنها، أو إن بلدان المنبع حرة فى أن تفعل ما تريد لأن المياه تسقط فى أراضيها، كل تلك الذرائع لم تعد مقبولة وفق القانون الدولى.
إثيوبيا المكابرة تريد أن تتحكم فى مصير ملايين المصريين، وهى التى يسقط على أراضيها بسبب الأمطار نحو 936 مليار م3 سنويا، بينما مصر بلد فقير للغاية من حيث مياه الأمطار. وحجز المياه على الحدود الإثيوبية السودانية لن يفيد البلاد فى الزراعة أو حتى مياه الشرب؛ لأن السكان يعيشون على 4600م فوق سطح البحر فى حين أن سد النهضة يقع على مستوى 600م فوق سطح البحر فقط، وهو خارج نطاق التجمع السكنى الأكبر فى البلاد، الذى يبعد مئات الكيلومترات عن موقع السد. وحدها تبدو الكهرباء هى الهدف من بناء السد. وحتى الكهرباء الذى سوف تنتج من السد كأقصى إنتاج هى 5000 ميجاوات، فلن تحتاجها إثيوبيا إلا لغرض التصدير عبر تعاقدات تفى بتكلفة النقل؛ إذ إن تكلفة النقل إلى الداخل الإثيوبى مرتفعة وتقدر بنحو 3 مليارات دولار حسب المسئولين الإثيوبيين أنفسهم، ولربما تحتاج لإقامة 6 سدود أخرى كى تكتفى البلاد من الكهرباء سهلة النقل. وهى اليوم تنتج قبل تشغيل السد 4000 ميجاوات، تخدم 110 ملايين نسمة. على عكس مصر التى تنتج 30000 ألف ميجاوات لخدمة نحو 105 ملايين نسمة، يذهب أغلبها لغرض الصناعة، ومصدرها بالأساس المولدات وليس السد العالى الذى ينتج فقط 1750 ميجاوات.
اليوم وفى مجتمع متطور ونامٍ مثل مصر، لم تعد الرقعة الزراعية أو الكتلة السكانية كما كانت فى الماضى. بعبارة أخرى، زادت الرقعة الزراعية فأصبحت حسب تقديرات وزارة الزراعة 9.4 مليون فدان، وأصبح التركز السكانى قابلا للتشتت بسرعة كبيرة وبعيدًا عن الوادى والدلتا، فبدلا من أن يكون 95% من السكان يقطنون هذا الوادى الضيق كما كان فى السابق، أصبحت تلك النسبة تتناقص لصالح الانتشار المكانى بفعل الزيادة السكانية، والتوسع العمرانى الناتج عنها، ما يشى بوجود 25% تقريبًا يعيشون خارج الوادى والدلتا.
هناك مشروعات كثيرة لتحلية مياه البحر وإعادة الاستخدام لمياه الصرف الصحى والزراعى واستغلال مياه الأمطار والمياه الجوفية، وكلها لن تغنى عن نهر النيل على الإطلاق، فحصة مصر من النيل 55,5 مليار م3 سنويًا، أى إنه يشكل نحو 94% من جملة الموارد المائية العذبة، وأن الزراعة تستهلك النسبة الأكبر من الموارد المائية المتاحة بمعدل 76,82%. وبمقارنة الرقم 59,25 مليارم3 الخاص بحجم الموارد المائية العذبة، وبالرقم 80.25 مليارم3 والخاص بالاستخدامات حسب إحصاءات وزارة الرى عام 2018، يتبين أن الفجوة المائية فى مصر تقدر بنحو 21 مليار م3، أى ما يقرب من نصف ما يرد لمصر من النيل.
كل يوم يدق ناقوس الخطر، وإثيوبيا لا تبالى بالتحذيرات التى ستهدد استقرار المنطقة لو نقصت المياه، وردت مصر العدوان عليها بضرب السد كله أو بعضه دفاعًا عن النفس، وذودًا لحقوقها التى هى أصلا لم تعد تكفى شعبها. الرهان الإثيوبى على طول صبر مصر خاسر لا محالة، فهل ستتراجع قبل أن تصل الأمور لحافة الهاوية؟.