أى حوار يرجوه الإخوان المسلمون مع الأقباط؟
سامح فوزي
آخر تحديث:
السبت 8 مايو 2010 - 10:57 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت تقارير صحفية عن وثيقة جديدة، أو تقرير داخلى يتداول فى أوساط الإخوان المسلمين حول تحسين العلاقة مع الأقباط، بما يتضمن زيارات فى الأعياد والمناسبات، وإعداد دراسات منشورة حول موقف الجماعة من القضايا الشائكة فى العلاقة بين الجانبين، فضلا عن بحث سبل تعزيز الوحدة الوطنية، ودرء الفتنة.
من حيث المبدأ فإن مراجعة الذات فضل لا ينكر، وأى جهد يبذل ــ أيا كان حجمه ــ لتدعيم أواصر علاقات التسامح بين المواطنين ينبغى الاحتفاء به. ولكن القضية أكثر تعقيدا من مجرد البحث فى العلاقات الاجتماعية، لأنها تتصل مباشرة بالجسد السياسى للمجتمع، وبجوهر العقد الاجتماعى الذى يحكم العلاقات بين مواطنين أنداد فى دولة مدنية حديثة.
الإخوان المسلمون لديهم علاقة ملتبسة بالأقباط منذ عقود طويلة. فمنذ تأسيس الجماعة، والتى نظر إليها على أنها بمثابة «خروج» على مشروع دولة المواطنة الذى تأسس فى ثورة 1919، ودستور 1923، وهناك مساحة عريضة من الالتباس فى النظرة إلى الأقباط. إذا عدنا إلى كتابات الإمام حسن البنا سنجد فيها نصائح ملغومة تجاه المختلفين فى الدين مثل دعوة المسلم إلى الحرص فى عدم وقوع قرش فى يد غير مسلم. ولكن ــ بشكل عام ــ كانت ليبرالية الحقبة التى امتدت منذ 1923 وحتى 1952 سببا كافيا لتوازن العلاقات ــ نسبيا ــ داخل المجتمع، رغم أن هناك كتابات كثيرة ظهرت خلال تلك الفترة تشير إلى دور الإخوان المسلمين فى نشر التعصب، مثال على ذلك كتاب «فرق تسد»، والذى كتبه طبيب من أبوقرقاص يدعى زغيب ميخائيل، ثم لاحقا ما ورد فى مذكرات الدكتور رشدى سعيد عن مناخ التعصب فى الأربعينيات الذى ساهم الإخوان المسلمون فى بثه فى الجامعة.
ومع عودة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية فى السبعينيات، بعد تحالفهم مع نظام الرئيس السادات، لم تكن علاقاتهم بالأقباط مطروحة على الأجندة، برغم أن مطبوعاتهم لعبت دورا أساسيا فى إشعال الموقف الطائفى فى المجتمع. نذكر على سبيل المثال مجلة «الدعوة»، وبالأخص العدد الشهير فى ديسمبر عام 1980، وما نشرته من فتوى بناء الكنائس على لسان الشيخ عبدالله الخطيب، صاحب النفوذ والحضور فى الجماعة، من أن الكنائس ينبغى هدمها فى البلاد التى فتحها المسلمون عنوة مثل الإسكندرية، ولا يجوز بناء كنائس فى الأماكن التى استحدثها المسلمون مثل المعادى وحلوان، وخلافه.
الغريب أنه فى كل مرة يثار أمر هذه الفتوى نسمع من يقول إنها تتناول أوضاع شرعية عامة، ولم تتطرق إلى مصر، فى حين أن الأمثلة الواردة بها هى أسماء مدن وأحياء مصرية. وبصرف النظر عن الفتوى المذكورة، فإن كتابات الشيخ الخطيب الأخرى كاشفة ودالة على منهج واضح يقوم على استغراب، ورفض الأقباط. وتكرر الأمر ذاته فى تصريح شهير عام 1997 لمرشد الجماعة الأسبق مصطفى مشهور الذى دعا إلى طرد الأقباط من الجيش وإرغامهم على دفع الجزية. ورغم أن هناك بيانا صدر عن الجماعة ينفى ذلك، ويصف الأقباط بالمواطنين، إلا أن النظرة الذمية للأقباط تبدو راسخة فى العقل الجمعى للإخوان.
أتذكر أنه منذ عامين ــ فى ندوة عقدت بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ــ وقف النائب الإخوانى فى البرلمان صبحى صالح يؤكد أن الأقباط أهل ذمة، ويجب أن يدفعوا الجزية، وهو ما نال استنكارا من الحاضرين. أما مسألة «مناصب الولاية العامة» التى وردت فى برنامج حزب الإخوان المسلمين مقصورة على المسلمين الذكور، فإن الحديث حولها يشوبه الكثير من عدم الوضوح، ففى الوقت الذى يقول فيه البعض إن الولاية العامة مقصود بها رئاسة الدولة، هناك عدد من الكتابات ــ تحت يدى ــ لإخوان مسلمين يوسعون من نطاق الولاية العامة لتشمل مناصب قضائية وتشريعية وتنفيذية أقل شأنا من رئاسة الدولة.
التباس موقف الإخوان المسلمين من الأقباط لم يمنع من حوار بينهم من آن لآخر. فى الثمانينيات دعا الإخوان إلى حوار مع عدد من رموز الأقباط عقد بمكتب الإرشاد، استمر عدة حلقات، ولم يسفر عن شىء سوى التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، ولم تثر فيه قضايا جادة. وفى سياق حزب العمل فى التسعينيات جرت حوارات لم تسفر عن شىء، وهو ما تكرر فى أعقاب فوز الإخوان المسلمين بثمانية وثمانين مقعدا فى انتخابات عام 2005، وهو العام الذى وعد فيه الدكتور محمد حبيب ــ نائب مرشد الإخوان السابق ــ أن تصدر الجماعة وثيقة بشأن الموقف من الأقباط، ولم تصدر هذه الوثيقة إلى الوقت الراهن.
وعندما أشارت التقارير الصحفية منذ أيام بأن الإخوان المسلمين يبحثون عن الحوار مع «الأقباط المعتدلين»، توقفت أمام هذه العبارة. فهم على مدى أكثر من ثلاثين عاما يتحاورون، ولم يصلوا إلى شىء هل كان من يتحاورون معهم متشددين؟ فأين هم المعتدلون إذن؟
القضية ليست فى الاعتدال والتطرف، المسألة تتعلق فى المقام الأول بمنطلقات الحوار. لا يوجد قبطى أو مسلم يؤمن بمستقبل هذا البلد يوافق على أن يجلس مواطنون يتفاوضون على حقوق المواطنة الخاصة بفصيل منهم رغم كونها مكفولة دستوريا. ولا يمكن أن يقبل وطنى غيور بأقل مما تعد به الدولة الوطنية الحديثة من حقوق وحريات متساوية، وفرص متكافئة فى الوصول إلى المناصب العليا، والتمثيل السياسى المتوازن. وأظن أن هذه هى خلاصة الحوارات التى أجراها ممثلو الإخوان المسلمين مع الأحزاب السياسية فى الفترة الأخيرة، ولاسيما فى حزبى التجمع والوفد.
فى الحقيقة يبدو من السخف أن يظل الأقباط، وهم متمتعون بالمواطنة بحكم التاريخ والحضور والارتباط الكيانى بالمجتمع، ينتظرون خلف الأبواب الموصدة للإخوان فى انتظار اجتهاداتهم الحديثة بشأن مواطنتهم، والتى مهما امتدت واستطالت فسوف تنتقص حتما من حقوق المواطنة فى الدولة القانونية الحديثة.
واللافت أن الاجتهادات الفوقية فى الجماعة ليس لها تأثير فى الجسم الرئيسى لها، وأعنى الكوادر والقيادات على المستوى القاعدى. فى أحيان كثيرة نسمع تصريحات كثيرة بشأن مواطنة وحقوق الأقباط على السطح من قيادات تمرست فى العمل السياسى، وتريد أن ترفع عن نفسها حرج الحضور فى المجال العام، ولكن ما نلبث أن نكتشف أن هذه التصريحات ليس لها مردود على مستوى القواعد، ولاسيما فى ضوء التربية العقائدية لقطاعات واسعة من الشباب على اعتبار الهوية الدينية هى الأساس فى العلاقات بين مواطنين.
الإشكالية ــ إذن ــ ليست فى الحوار من عدمه، ولكن فى استعداد كل الأطراف لقبول ما تستند إليه الدولة الحديثة من أسس وأركان. هذا هو الحوار الحقيقى الذى يتعلق بمستقبل مصر. هنا يكون الحوار له معنى، بعيدا عن محاولات الدفاع الذاتى غير المبررة. وستكون هناك بوصلة واضحة تجمع أشلاء هذا المجتمع، الذى يسعى كل طرف فيه لخدمة مصالحه الذاتية. وإن كنت أنتقد الإخوان المسلمين بشأن موقفهم من قضايا المواطنة والحريات، فإن الأقباط أنفسهم ليسوا بمنأى عن النقد، ولكن القضية تحتاج إلى شفافية وصراحة، مواجهة جادة، وليس إلى حملة علاقات عامة سياسية.
بالطبع الإخوان المسلمين ليسوا مسئولين عن كثير من مشكلات الأقباط فى المجتمع، فهم ليسوا فى الحكم حتى يحاسبوا عليها، لكنهم فى غمار معارضتهم للحكم، وسعيهم لاستمالة فصائل المجتمع المختلفة يعدون بأقل مما يعد به الحكم، ويتحدثون بلغة صارت فى عداد التراث منها المقولات المدنية الحديثة.