لا يمكن الاستغناء عنها لكن لا أحد يراها فى الأزمة السورية


جاكسون ديل

آخر تحديث: الثلاثاء 8 مايو 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

على مدى عام، يعلن النقاد أن الربيع العربى يبشر بحقبة جديدة فى الشرق الأوسط لا تكون فيها الولايات المتحدة «دولة لا يمكن الاستغناء عنها» كما وصفها كلينتون ذات يوم. وقد أثبتت سوريا خطأ ما يقولون.

 

من المؤكد أن الأدلة سلبية: فشل الأمم المتحدة أو جيران سوريا فى منع انزلاق هذا البلد إلى الحرب الأهلية فى غياب القيادة الأمريكية. ومع ذلك فالقضية ليست محسومة لأن كل قوة أو منظمة أخرى تطمح إلى ملء الفراغ الذى خلَّفته واشنطن حاولت تحقيق ما هو مرغوب فيه فى دمشق وفشلت.

 

لنبدأ بتركيا، جارة سوريا وحليفها السابق، وهى طبقا لما يقوله البعض الفائز الكبير من الثورات فى تونس ومصر والاضطراب فى أى مكان. وفى العام الماضى أرسل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان فى السر وزير خارجيته برسالة إلى بشار الأسد: أوقف قتل المدنيين، والتقِ بمعارضيك، وتبنَ الإصلاحات الديمقراطية. وقال الأسد إنه سيفعل ذلك؛ لكنه كذب واستمر فى القتل. ومنذ ذلك الحين كرر المناورة مع جامعة الدول العربية وروسيا ومبعوث الأمم المتحدة كوفى أنان.

 

غضب أردوغان، وسمح لقادة المعارضة، بمن فيهم جيش سوريا الحر، باللجوء إلى تركيا وتنظيم أنفسهم داخلها. وأشار مرارا إلى أنه يدعم إقامة ممر إنسانى أو ملاذ آمن داخل سوريا بعبارة أخرى، شريط من الأرض يخضع لسيطرة قوى خارجية ويمكن الدفاع عنه بالقوة العسكرية إذا دعت الضرورة.

 

 لكن ليس هناك ممر آمن. والسبب بسيط إلى حد ما. فالجيش التركى لن يطلق تلك المبادرة الشجاعة دون دعم من الولايات المتحدة، إن لم يكن الناتو ككل. وليس الأمر هو عجز تركيا عن القيام بذلك؟ ففى عام 1998 أرعبت النظام السورى فقط بحشد جيشها الكبير على الحدود.

 

كشفت هذه الأزمة نقاط الضعف فى طموحات أردوغان الإقليمية. وباعتبار تركيا قوة إمبريالية فى عهد العثمانيين، فهى لا يمكنها التدخل فى أية دولة عربية دون المخاطرة برد فعل عنيف واسع المدى. فحكومتها السنية الإسلاموية على نحو معتدل تثير الشكوك بين الأقليتين المسيحية والكردية الكبيرتين فى سوريا ناهيك عن العلويين التابعين للأسد.

 

●●●

 

قوضت التوترات الطائفية كذلك جهد جامعة الدول العربية لإثبات وجودها. إذ كانت الدول السنية، كالمملكة العربية السعودية وقطر، حريصة على التدخل لكن الحكومات الشيعية فى العراق ولبنان منعتها. وفى الوقت نفسه، تعثرت الجهود المستقلة التى قامت بها دول الخليج لتوفير السلام للمعارضة.

 

بالنسبة لروسيا، كان عرضها إعادة تثبيت نفسها كلاعب فى الشرق الأوسط بالتوسط لتحقيق تسوية سورية فاشلا كذلك. فالكرملين يرغب فى إنقاذ الأسد، غير أنه يرفض اتخاذ ولو أبسط الخطوات لفتح الطريق لاتفاق يحفظ النظام. ويمكن لموسكو منع مجلس الأمن من التصريح بعقوبات أشد أو تدخل عسكرى، ويمكنها إمداد الجيش السورى بالأسلحة والوقود. لكن الأسابيع القليلة الماضية أظهرت أنه لا يمكنها منع انزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية. بقيت مهمة الأمم المتحدة التى يقوم بها كوفى أنان، الذى يبدو مصمما على تكرار كل خطأ ارتكتبه الأمم المتحدة فى البلقان عندما كان أمينا عاما لها فى التسعينيات. فقد حث مجلس الأمن على إرسال مراقبين غير مسلحين لمراقبة وقف إطلاق النار، عندما لم يتم وقف إطلاق النار. وقد رد على الأكاذيب ونقض الوعود من جانب الأسد بتجديد وساطته بدلا من التخلى عنها.

 

لقد أصابت الدبلوماسيين الأوروبيين المهتمين بسوريا نزعة انهزامية كئيبة. وهم يهزون أكتافهم ويقولون إنه ليست هناك حلول، وأنه ليس هناك الكثير الذى يمكن عمله لوقف القتال، وأنه ما من سبيل لبناء إجماع دولى لاتخاذ إجراءات أقوى.

 

إنهم يقولون ذلك، ثم يتكهنون بشأن متى يمكن أن تقرر إدارة أوباما التخلى عن سلبيتها، أو إن كانت ستقرر ذلك أم لا. وعلى أية حال، الولايات المتحدة قادرة بشكل كبير على خلق منطقة إنسانية فى سوريا والدفاع عنها، بمساعدة من تركيا والناتو. وإذا كان يتعين تسليح جيش سوريا الحر، فليس هناك شك كبير فى أن الجيش سيحصل قريبا على المزيد من الأسلحة. ويعتقد كثيرون فى المعارضة السورية أن مجرد الإعلان عن تلك المبادرات سيجعل نظام الأسد ينهار من الداخل.

 

●●●

 

ما ينقص بالطبع هو قرار يتخذه الرئيس أوباما تبنى هذا التعهد. ولكى يتم ذلك، سوف يتعين عليه التخلى عن فكرة أن أى إجراء لابد أن يصرح به مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وسوف يتعين عليه إقامة تحالف عشوائى مع تركيا وغيرها من أعضاء الأوبك تقوده الولايات المتحدة. كما سيتعين عليه إصدار الأوامر للدبلوماسيين الأمريكيين للعمل بشكل مكثف مع حركات المعارضة والجماعات العرقية السورية لوضع اتفاق لنظام ما بعد الأسد.

 

بعبارة أخرى، سوف يتعين على أوباما التصرف كما لو كانت الولايات المتحدة لا تزال ما فهم بيل كلينتون أنها عليه: دولة لا يمكن الاستغناء عنها.

 

 

جماعة كتاب الواشنطن بوست كل الحقوق محفوظة النشر بإذن خاص

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved