التعاون بين الولايات المتحدة والصين يظل فى حكم الممكن
قضايا إستراتيجية
آخر تحديث:
الأربعاء 8 مايو 2024 - 10:58 م
بتوقيت القاهرة
عندما قام وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بزيارة إلى بكين مؤخرا فى محاولة لتثبيت استقرار العلاقات مع الصين، كان عدد كبير من القضايا التى ناقشها مع الرئيس الصينى شى جين بينج محل نزاع شديد. على سبيل المثال، حذر بلينكن الصين من توفير المواد والتكنولوجيا لمساعدة روسيا فى حربها ضد أوكرانيا، واعترض على مطالبات الصين الإقليمية فى بحر الصين الجنوبى ومضايقة الفلبين (حليفة الولايات المتحدة). وكانت نزاعات أخرى متعلقة بتفسيرات سياسة «الصين الواحدة» التى تنتهجها أمريكا فى التعامل مع تايوان، والقيود التجارية وتلك المرتبطة بالصادرات التى تفرضها الولايات المتحدة لمنع تدفق التكنولوجيا إلى الصين.
كنت أزور بكين فى ذات الوقت تقريبا بصفتى رئيسا لما يُـسمى «حوار المسار الثانى» الصينى الأمريكى، حيث يستطيع المواطنون الذين يتواصلون مع حكوماتهم أن يجتمعوا ويتحدثوا عن أنفسهم. ولأن مثل هذه المحادثات غير رسمية ولا يمكن التنصل منها، فقد تكون فى بعض الأحيان أكثر صراحة. وكانت هذه هى الحال بكل تأكيد هذه المرة، عندما التقى وفد من مجموعة «استراتيجية أسبن» مع مجموعة تولت جمعها مدرسة الحزب المركزية صاحبة النفوذ فى بكين ــ وهو الاجتماع السادس من نوعه بين المؤسستين على مدى العقد الأخير.
وبما يتفق مع التوقعات، عزز الأمريكيون رسالة بلينكن بشأن القضايا المثيرة للجدال، وكرر الصينيون مواقف حكومتهم. وكما حذر جنرال صينى متقاعد، كانت «تايوان هى محور قضايانا المحورية».
بيد أن الأمور أصبحت أكثر تشويقا عندما تحولت المجموعة إلى استكشاف مجالات التعاون الممكنة. الواقع أن التغير الذى طرأ على سياسة الولايات المتحدة من الانخراط والتعامل مع الصين إلى استراتيجية المنافسة بين القوى العظمى لا يمنع التعاون فى بعض المجالات. وفى صياغة المناقشة، استخدمنا التشبيه مع مباراة فى كرة القدم: فريقان يتقاتلان بشراسة، لكنهما يركلان الكرة، بدلا من ركل لاعبى الفريق الآخر، ومن المتوقع أن يبقى الجميع داخل الخطوط البيضاء.
• • •
فى تبادل للاستعارات، أعرب بعض الصينيين عن قلقهم من أن التركيز الأميركى على إنشاء «حواجز حماية» كان أشبه بوضع أحزمة الأمان فى سيارة تشجع على السرعة؛ لكن أغلبهم اتفقوا على أن تجنب الاصطدام كان الهدف الأساسى. ولتحقيق هذه الغاية، حددنا سبعة مجالات للتعاون المحتمل.
الأول والأكثر وضوحا كان تغير المناخ، الذى يهدد كلا البلدين. ورغم أن الصين مستمرة فى بناء محطات توليد الطاقة التى تعمل بإحراق الفحم، فإنها تضيف بسرعة مصادر الطاقة المتجددة، وتزعم أنها ستصل إلى ذروة الانبعاثات من ثانى أكسيد الكربون بحلول عام 2030 والحياد الكربونى بحلول عام 2060. ولقد حثثنا على وضع جدول زمنى أسرع والتبادل العلمى لتحقيق هذه الغاية.
كانت القضية الثانية الصحة العامة العالمية. يقول العلماء إن السؤال حول الجائحة التالية ليس ما إذا كانت لتحدث، بل متى تحدث. لقد تعاملت الحكومتان مع جائحة كوفيد-19 بشكل سيئ، ومات الملايين نتيجة لذلك. ولكن بدلا من الجدال حول من يستحق اللوم، اقترحنا دراسة الكيفية التى ساعد بها تعاوننا العلمى فى إبطاء مرض سارس فى عام 2003 وإيبولا فى عام 2014، وكيف يمكننا تطبيق هذه الدروس فى المستقبل.
وفيما يتعلق بالأسلحة النووية، دافع الصينيون عن حشدهم السريع على أساس أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أكثر دقة، وأن قابلية الغواصات للتعرض للأذى يهدد قدرتها على الرد ذات يوم إذا ضُرِبَـت أولا. وكرروا اعتراضهم المعتاد على فرض قيود الحد من التسلح قبل أن تضاهى ترسانتهم ترسانة الولايات المتحدة وروسيا. لكنهم أعربوا عن استعدادهم لمناقشة العقيدة النووية، والمفاهيم، والاستقرار الاستراتيجى، فضلا عن منع الانتشار النووى وقضايا صعبة مثل كوريا الشمالية وإيران ــ وهاتان منطقتان حيث تعاونت أميركا والصين فى الماضى.
أما المجال الرابع فكان الذكاء الاصطناعى. فى سان فرانسيسكو فى الخريف الماضى، اتفق شى والرئيس الأمريكى جو بايدن على بدء محادثات حول سلامة الذكاء الاصطناعى - وإن كانت حكومتا البلدين عاجزتين حتى الآن عن إحراز أى تقدم ملموس. واتفقت مجموعتنا على أن هذه القضية تتطلب أيضا إجراء محادثات خاصة خلف أبواب مغلقة، وبشكل خاص حول التطبيقات العسكرية لهذه التكنولوجيا. على حد تعبير جنرال صينى متقاعد فإن الحد من التسلح أمر غير مرجح، لكن لا تزال فرصة كبيرة قائمة للعمل نحو فهم متبادل للمفاهيم والعقيدة، وما يعنيه الحفاظ على السيطرة البشرية.
على الصعيد الاقتصادى، اتفق الجانبان على أن التجارة الثنائية تعود بالنفع على الطرفين، لكن الصينيين اشتكوا من الضوابط التى تفرضها الولايات المتحدة على الصادرات من أشباه الموصلات المتقدمة. وفى حين تبرر الولايات المتحدة سياستها لأسباب أمنية، يرى الصينيون فيها إجراء يهدف إلى تقييد النمو الاقتصادى فى بلادهم. واقتداء بمستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان الذى وصف النهج الأمريكى بأنه بناء «سياج مرتفع حول ساحة صغيرة»، أشرنا إلى أن هذا النهج لا يؤثر إلا على جزء صغير من إجمالى تجارتنا فى الرقائق الإلكترونية.
كان موضوع القدرة الفائضة فى الإنتاج الصناعى الصينى، والتى تتغذى على إعانات الدعم، أشد صعوبة. فقد تباطأ النمو الاقتصادى فى الصين، وبدلا من اتخاذ خطوات لتعزيز استهلاكها المحلي، تحاول الصين الخروج من ضائقتها الحالية عن طريق التصدير (كما فعلت فى الماضى). وأشرنا إلى أن العالم تغير منذ «صدمة الصين» فى مطلع هذا القرن.
ولكن بدلًا من تأييد الانفصال الذى قد يكون سيئا لكلا الجانبين، اتفقنا على تقسيم القضايا الاقتصادية إلى ثلاث مجموعات. من ناحية، كانت القضايا الأمنية، حيث كنا نتفق على ألا نتفق. وعلى الطرف الآخر كانت التجارة الطبيعية فى السلع والخدمات، حيث نتبع قواعد التجارة الدولية. وفى المنتصف، حيث تنشأ مسائل إعانات الدعم والقدرة الفائضة، كنا نتفاوض على القضايا كل على حِـدة.
كان موضوعنا الأخير يتعلق بالاتصالات بين الناس، والتى تضررت بشدة بسبب ثلاث سنوات من القيود المرتبطة بجائحة كوفيد وتدهور العلاقات السياسية. ففى الوقت الحاضر، يدرس أقل من ألف طالب أمريكى فى الصين، فى حين يدرس نحو 289 ألف صينى فى الجامعات الأمريكية (وإن كان ذلك الرقم انخفض عن ذروته بنحو الربع). ويواجه الصحفيون قيودا أشد صرامة على التأشيرات فى الصين، كما أفاد الأكاديميون والعلماء من كلا الجانبين عن قدر أعظم من المضايقات من قِـبَـل مسئولى الهجرة. ولا شىء من هذا يساعد فى استعادة الشعور بالتفاهم المتبادل.
فى هذه الفترة من منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، لا ينبغى لنا أن نتوقع العودة إلى استراتيجية المشاركة التى ميزت مطلع هذا القرن. ولكن من مصلحة البلدين أن يتجنبا الصراع، وأن يحددا مجالات التعاون متى وأينما أمكن ذلك.
جوزيف ناي
أستاذ فخرى فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد موقع Project Syndicate