طبائع الاستقطاب

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: السبت 8 يونيو 2013 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

أعتقد أن لا شىء يدعو للدهشة أو الاستغراب مما يحدث فى مصر الآن، بدءا من قضايا الأمن القومى مثل السد الإثيوبى والموقف فى سيناء، ومرورا بجميع النزاعات الداخلية مثل قانون تعديلات السلطة القضائية أو حكم الدستورية بشأن حل الشورى، أو حتى الخلاف على إنتاج القمح ونقص السولار وانقطاع الكهرباء والماء، وانتهاء بعنف الخلاف مثل مواجهات دمنهور بين شباب الإخوان ومعارضيهم أو محاولة حرق مقر تمرد، وحتى الاعتصام فى مقر وزارة الثقافة.

 

وحينما أقول إن كل ذلك لا يدعو للدهشة، فهذا ببساطة شديدة لأن كل ذلك هو بالضبط من «طبائع الاستقطاب» الذى حذرنا منه طويلا، ومن كان ينتظر نتائج أخرى، فهو بالتأكيد من أهل الغفلة أو من العابثين، لأن الاستقطاب لا يؤدى إلا لما نعيشه الآن، حيث تغيب الحقائق تماما، وتنشطر الآراء وفقا للأهواء والتحزب والتخندق والانحياز الأعمى للفرقة أو الفصيل أو الجماعة.

 

ومن تصور بسذاجة، أنه بعد أن يدعو للاستقطاب ويدعمه ويحييه، فى موقف ما، فإنه قادر على تحييده فى مواقف أخرى، لأن الاستقطاب مثل خلايا السرطان يتكاثر بجنون، وبلا منطق وبلا عقل، ويذهب لأى مكان من دون أسباب واضحة، فهل يعقل، أن يدفع الاستقطاب أساتذة أجلاء فى إعلان أن مصر حققت الاكتفاء الذاتى من القمح، رغم علم الجميع أن المساحات المنزرعة منه لا تحقق ذلك بأى حال من الأحوال، أو أن يشكك فريق آخر فى كميات المحصول، رغم أن كل ذلك محسوب بدقة لأن الدولة تدفع مقابله بشكل فورى، لكنه الاستقطاب اللعين.

 

تماما مثل الذين يرون أن الدستور الذى صاغته الجمعية التأسيسية الذى قال عنه البعض إنه أعظم دستور فى الدنيا، ثم عادوا هم أنفسهم يعلنون غضبهم من حكم الدستورية بشأن قوانين انتخابات البرلمان ومباشرة الحقوق السياسية التى التزمت بالدستور الذى صنعه الغاضبون بأنفسهم، بل إن البعض طالب بإجراء تعديلات على الدستور العظيم الذى صنعه بنفسه ودافع عنه، فى مقابل الذين رفضوا الدستور تماما، استشهدوا به فى تأييدهم لحكم الدستورية.

 

الخطر الآن أن الاستقطاب وصل إلى محطة الحريق، وإلى منطقة اللاعودة، ومن طبائعه أنه عندما يصل لهذه المرحلة تصبح لديه القدرة على الاشتعال الذاتى ولا يحتاج إلى أى مساعدات أو شمعات احتراق، لأنه يعشق هذه المرحلة ومصمم على التعامل معها بالجنون الكامل، وهنا تحديدا يجب أن يطل علينا العقل ويظهر العقلاء، الذين يملكون من الإخلاص تجنيب البلاد ويلات الحريق القادم، وتبريد الحالة الساخنة التى وصلنا إليها.

 

وهنا لا تنفع الكلمات والمحايلات، ولا الكذب مجددا، بل بالقرارات الكبرى وبالشجاعة المخلصة وبالمواقف الصادقة وإنكار الذات، والتحلى بالوطنية الخالصة.. وهذا لم أر شواهده أو بوادره حتى الآن.. فهل سننتظر كثيرا؟ 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved