سلطوى وأفتخر!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 8 يونيو 2016 - 10:53 م
بتوقيت القاهرة
نعم، فهذا هو لسان حال حكومات مختلفة لم يعد يعنيها كثيرا لا الطلب على الحرية داخل مجتمعاتها، ولا الامتعاض العالمى من ممارساتها القمعية. تعطى تلك الحكومات ظهورها لحديث سيادة القانون وحقوق الإنسان وتداول السلطة الذى تنتجه بين الحين والآخر منظمات أممية (مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) ودوائر غربية، إدراكا منها إما لمحدودية فاعلية المنظمات الأممية أو لازدواجية معايير الغربيين، الذين دوما ما يغلبون مقتضيات مصالحهم الآنية على كل ما عداها من اعتبارات.
بل يتطور الأمر لدى بعض الحكومات السلطوية إلى رفض جذرى لمجمل الفكرة الديمقراطية، وتوصيفها كتهديد وجودى لدول ومجتمعات لا تعنيها مؤسسات كالقضاء المستقل والبرلمانات القادرة على رقابة الحكام ولا تنزعج من غياب الانتخابات الحرة، بل تريد فقط الخبز والأمن وأحيانا الكرامة الوطنية.
هنا تدعى الحكومات السلطوية امتلاك الحق الحصرى للحديث باسم شعوبها الراضية دائما وأبدا بالقليل والمصطفة خلف حكامها دون وجل، ويدعم هذا الادعاء حضور مظاهر غير قابلة للإنكار للتأييد الشعبى لحكام كفلاديمير بوتين فى روسيا وقيادة الحزب الشيوعى فى الصين، ورؤساء الوزراء الدمياجوجيين للحكومات المنتخبة فى المجر وسلوفاكيا وغيرهما.
وعلى قائمة «سلطوى وأفتخر» تظهر أيضا الحكومة المصرية التى لا تخفى تنصلها من الفكرة الديمقراطية، تارة بالإشارة إلى أولوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحقوق السياسية والمدنية وتارة «بمطالبة العالم» بإعادة النظر فى «المفاهيم المتداولة» للحريات وإدراك «أن ما يصلح» للغرب «لا يصلح» لنا.
وعلى ذات المنوال، لا تنكر الحكومة المصرية عداءها للمجتمع المدنى وللمنظمات الحقوقية فى الداخل والخارج. فتعقب منظمات الداخل يتواصل منذ ٢٠١٣، وتسفيه منظمات الخارج التى لم تصمت على المظالم والانتهاكات المتراكمة يتواكب مع إطلاق الاتهامات الجزافية بعمالتها وتآمرها.
بل أن «حكومتنا» لم تعد تعنيها الانتقادات التى توجه لـ«السجل المصرى» المتخم بجرائم التعذيب والاختفاء القسرى والقتل خارج القانون وسلب الحرية لأسباب سياسية إن فى أروقة المنظمات الأممية أو بين الحين، والآخر من قبل الحكومات الغربية.
إدراكا منها لضعف منظمات الأمم المتحدة ولتغليب الغرب لمصالحه، تواجه الحكومة المصرية الانتقادات تارة بالإنكار (ليس لدينا حالات تعذيب أو اختفاء قسرى) وأخرى بالتقليل من أهميتها (القتل خارج القانون يصبح مجرد تجاوزات فردية لا أكثر) وثالثة بقلب الطاولة واتهام الغرب بانتهاك حقوق مواطنيه (كالأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية وكالأجانب المقيمين فى بعض الدول الأوروبية).
فى جميع هذه السياقات، تدعى الحكومة المصرية زيفا كونها تمتلك الحق الحصرى للحديث باسم «الشعب» الذى يريد الخبز والأمن أولا، يريد الصحة والتعليم قبل حرية التعبير عن الرأى،ولا يكترث بالانتخابات أو بتداول السلطة.
هذه لحظة عالمية ومصرية لصعود السلطوية، وانحسار الضغوط التى شعر بها بين تسعينيات القرن العشرين والسنوات القليلة الماضية الحكام المستبدون فى أماكن عديدة.
ولن يتوقف صعود السلطوية ما لم تدرك الشعوب، التى تعانى منها تهافت مقايضة الخبز والأمن فى مقابل الحق والعدل والحرية، واستحالة تحقيق التنمية والتقدم دون صون كرامة الناس، والفشل المحتم للحكام المستبدين فى القرن الحادى والعشرين كما فشلوا فى القرن العشرين.