الخروج الإفريقى المحزن
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 8 يوليه 2019 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
الافتتاح المبهر لبطولة كأس الأمم الإفريقية الذى احتضنه استاد القاهرة، فجر آمالا عراضا بإمكانية فوز منتخبنا القومى بالكأس القارية الأهم، بل إن البعض اعتقد أن إقامة البطولة على أرضنا وتمتعنا بأفضلية على باقى المنتخبات المشاركة من 24 بلدا إفريقيا، يجعل فريقنا كما لو كان فى نزهة يحتضن فى نهايتها بكل سهولة ويسر «النجمة الثامنة»، لبطولة خبرت أجيال عديدة من لاعبينا دهاليزها، واجتازت أحراشها بأرقام قياسية تتحدث عن نفسها.
ظن البعض أن أداء لاعبينا فى البطولة سيكون بدقة التنظيم وحفل الافتتاح الذى نال استحسان ملايين المصريين والعرب والأفارقة، بل والعديد من دول العالم، لكن تم تغييب الحديث عن نقاط ضعف منتخبنا قبل قوته، بل إن أحد لاعبى المنتخب السابقين من الجيل المخضرم، حاول تكميم الأفواه التى انتقدت تواضع أداء المنتخب عقب فوزه فى دورى المجموعات بالعلامة الكاملة بقوله: «انتم عاوزين أكل ولا بحلقه»!
هذا الاستخفاف بالرأى الآخر وعدم إقامة أى وزن للمعارضين، هو جوهر مشكلات عديدة نعانى منها، وربما يكون أقلها الخروج المذل لمنتخبنا القومى من الدور الـ 16 لكأس الأمم الإفريقية، بعد الهزيمة أمام جنوب إفريقيا، والتى لم تكن مفاجئة لأصحاب العيون الخبيرة التى رأت فى أداء اللاعبين خللا واضحا منذ مباراة الافتتاح أمام زيمبابوى، مرورا بمبارتى الكونغو الديمقراطية وأوغندا.
الهزيمة لم تكن مفاجئة فى نظر البعض، قياسا على الأداء غير المقنع للفراعنة رغم تحقيقهم 3 انتصارات متتالية، فراحت الدفاتر تفتح على عجل باتهامات بالقصور والفساد لاتحاد الكرة الذى سارع رئيسه، هانى أبو ريدة، وعدد كبير من أعضائه بتقديم استقالتهم امتصاصا لغضبة جماهيرية كبرى، بعد الإحباط الذى أصاب ملايين المشجعين الذين لم يبخلوا على المنتخب بحناجرهم وجنيهاتهم القليلة، رغم الغلاء، لمؤازرته والوقوف خلف اللاعبين بكل عيوبهم.
حالة الإحباط المصاحبة لانكسار القلوب، بعد الخروج من بطولة داعبت الآمال كل بيت مصرى بتحقيقها، أمر طبيعى، فقد اعتبرنا الكأس الغالية حقا مكتسبا، كون المنتخب يلعب على أرضه ووسط أهله وعشيرته، بل وتم إغماض العيون عن «المتحرش»، والمتخاذل، والتجاوزات هنا وهناك، فى تواطؤ شبه مقصود، لأننا «فى قلب الميدان» ولا يجب أن نعطى الخصوم فرصة الاصطياد فى نقاط ضعفنا!.
كرة القدم، قال كثيرون، وفى أكثر من مناسبة، إنها ليست مجرد لعبة مستديرة يتقاذفها اللاعبون فوق مستطيل أخضر بين شبكتين، بل هى صناعة فوق ثقيلة، تعكس إمكانيات وقدرات الشعوب فى الإدارة والإعداد والتدريب البدنى والنفسى، جنبا إلى جنب حشد وتعبئة الجماهير، كالحروب العسكرية مع الفارق أنك تستخدم القوة البدنية، والمهارة العقلية، فى تحقيق أهدافك بطرق سلمية تحقق المتعة والإشباع لمتابعيك.
ربما يعتبر البعض استقالة رئيس اتحاد الكرة وبعض أعضاء الاتحاد ومدرب الفريق وطاقمه الفنى، غير كافية لفضح المستور الذى انكشف أمام منتخب جنوب إفريقيا، وإصلاح ما تم إفساده بضياع حلم التتويج ببطولة الأمم الإفريقية، وإصابة الجماهير بخيبة الأمل الكبيرة والحزن العميق، وبالتالى كان منطقيا أن تطالب أصوات عديدة بتحقيقات جادة وشفافة تظهر القصور الذى وقعنا فيه من داخل الاتحاد وخارجه، وألا تكون التحقيقات مجرد ذرا للرماد فى العيون، ثم تعود ريما لعادتها القديمة.
الخسارة، وإن كانت فادحة، يمكن تجاوز تداعياتها عندما نعترف على الملأ بالأخطاء التى وقعنا فيها، وأن تظهر التفاصيل التى كانت سببا فى الفضيحة، صغيرها قبل كبيرها، وأن يدفع كل مقصر ثمن تهاونه وفشله، وأن يعرف كل مصرى كيف تدار الأمور خلف الكواليس، والعوامل التى كانت وراء وصولنا إلى هذا المستوى من الضعف، فالنكسة أو الهزيمة، سمها ما شئت، فرصة كى نتطهر من العيوب.
بقى أن الخروج من البطولة ليس نهاية الكون، ولا يعنى إطلاقا هجر المشجعين للمدرجات، بل يجب الحرص حتى آخر يوم على خروج البطولة الإفريقية إلى بر الأمان بأفضل وجه، دفاعا عن صورة بلد لا يتحمل المزيد من التشويه حتى ولو فى ملاعب كرة القدم.