منتخب الجزائر يقدم لكم دروسا فى الكرة الجديدة!
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الإثنين 8 يوليه 2019 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
الصعوبة والجمال مرتبطان.. وهذا وراء الإعجاب بمحاربى الصحراء..
الفريق يمتلك فريقين.. ومجموعة فريدة
من اللاعبين والمواهب ويقودهم قائد يدعى بلماضى
هذا منتخب يهاجم ويدافع.. وأسقط نظريات الذين يضحكون علينا بالاختيار بين الدفاع وبين الهجوم!
** إن كرة القدم الجيدة لعبة صعبة، وكرة القدم الجيدة لعبة جميلة، وكلاهما الصعوبة والجمال مرتبطان وترى الصعوبة فى التكتيك الجماعى المطبق بمنتهى الدقة وحين ترى هذا التكتيك الجماعى الصعب يطبق بمهارة وفن يزداد الإعجاب، بالفريق الذى يلعب تلك الكرة.. وهذا وراء إعجابنا جميعا بمنتخب الجزائر أو بمحاربى الصحراء الرائعين.
** تابعت منتخب الجزائر فى مبارياته الأربع.. وكم كانت تلك المباريات دروسا وحصصا للذين يرون جماعية الأداء مجرد استحواذ وتمرير، وكم كانت تلك المباريات حصصا ودروسا فى الروح القتالية، ومعنى المساندة دفاعيا وهجوميا، وكم كانت تلك المباريات دروسا وحصصا فى قيمة المدرب وفى قيمة شخصيته القوية الفاهمة.
** لم تكن مباراة غينيا فى دور الستة عشر أفضل مباريات منتخب الجزائر، ولكن الأفضل كانت أمام السنغال لقوة الفريق السنغالى، وقد لعب جمال بلماضى مبارياته الأربع بأساليب مختلفة، وبجماعية فيها سيطرة وتنظيم شديد التعقيد والصعوبة ولو بدا الأداء سهلا وسلسا.. فالفريق يملك الحلول الهجومية، ويملك رأس الحربة الذى يتحرك، ويهدد، ويفتح على الأطراف، ويذهب إلى العمق، ويساند ويتلقى المساندة، ويدافع ويهاجم، ولا يسكن ولا يقيم فى منطقة الجزاء.. ولا تضايقه المساحات الضيقة، بينما رءوس حربتنا تخنقهم المساحات الضيقة.. إنه بغداد بونجاح وله بديل ناجح وهو إسلام سليمانى.. والفريق يملك مواهب ومهارات ويملك دكة احتياطية عامرة ويكفى أوناس هذا المحترف الصغير فى نابولى الإيطالى.
** منتخب الجزائر يلعب كرة القدم التى نريدها لمنتخب مصر وكنا نتمناها. إذ يدافع ويهاجم. فلا هو يدافع فقط مثل كوبر ويبهر دراويشه، ولا هو يهاجم فقط أو يغامر فقط ويقنع تلاميذه. لا.. وألف لا.. منتخب الجزائر يجعلك تحب كرة القدم بما فيها من صعوبات وتعقيد لأنك قد تراها لعبة سهلة. وتلك هى متعة اللعبة الحقيقية.. وواجب كل فريق كبير أن يدافع ويهاجم.. وغير ذلك هى مبررات وتمريرات الفاشلين.. تماما مثل جملة: «المهم النقطة وليس الأداء.. والمهم النتيجة وليس الأداء».
** لا أعنى الآن أن منتخب الجزائر سيفوز باللقب، لكنه من المؤكد مرشح للقب.. ففى كرة القدم منتخبات عبقرية خسرت بطولات من البرازيل وهولندا إلى ألمانيا وفرنسا.. فلا شىء مضمونا فى لعبة تقوم فلسفتها ومتعتها على الشك فى نتائجها الأخيرة.
** منتخب الجزائر قدم لنا الكرة الجديدة الحقيقية، وأسقط كل الأكاذيب، وكل التبريرات التى يطلقها الفاشلون والساقطون.. عن الدفاع وعن الهجوم كأن علينا أن نختار بينهما.. كما يطلقون بدعة الأداء أو النتيجة.. وقد أعطى محاربو الصحراء دروسا فى كرة القدم، وفى كيفية ممارستها بالطاقة القصوى، وبابداع، وبمهارات وبأداء جماعى منظم للغاية، ولا تهاون فيه على الإطلاق.
** فى الدقيقة 65 كان الفريق متقدما بهدفين على غينيا، فأصدر جمال بلماضى تعليماته على لاعبيه بالضغط العالى والهجوم لمنع منتخب غينيا من بناء هجمة منظمة، وفى الدقيقة 90 كان منتخب الجزائر متقدما بثلاثة أهداف، والكرة مع لاعب من فريق غينيا وسط الملعب لا تشكل خطورة، فضغط عليه ثلاثة ثم أربعة ثم خمسة لاعبين جزائريين، لاستخلاص الكرة.. يا.. إلهى (مع الاعتذار لفهد العتيبى) ما هذه الروح، ما هذا التنظيم، ما هذه الجدية؟!
** هذا تدريب، ومهارات لاعبين. هو عقل مدرب فى الملعب، وقدرات فى أقدام لاعبين. وقوة ولياقة. فما يطبقه منتخب الجزائر يحتاج إلى لياقة كبيرة، وتصميم أكبر، وروح قتالية ومشاعر وطنية أيضا تدفع اللاعب إلى بذل أقصى جهد بأداء جاد وحقيقى وليس أداء مظهريا، شكليا، كاذبا، يقوم على التحليق من بعيد كما كان يفعل لاعبونا، وكان ذلك دليلا على أن المنتخب «مش قادر»، ويلعب بخطة «احنا اللى خرمنا التعريفة».!
** حضر منتخب الجزائر وهو فريق يبدو غير مرشح، بسبب تصنيفه وتاريخه فى إفريقيا، ومبارياته الودية. وهذا من اسوأ النظريات أيضا. فالعبرة بالأداء اللحظى والأداء فى كل مباراة، وقدر توظيف المهارات، وكيف يلعب الفريق كرة جماعية.. وروح لاعبيه القتالية، وهو الأمر الذى حققه منتخب مدغشقر القادم لأول مرة لنهائيات الأمم الإفريقية.. بينما خرج منتخب مصر المرشح الأول وخرج منتخب الكاميرون حامل اللقب وخرج منتخب المغرب أحد المرشحين، وفى قبعة كأس الأمم مفاجآت أخرى.
** كرة القدم فى الواقع هى رحلة حزينة من المتعة والواجب والمجد والخيبة والاستغلال والبؤس والحب والصراع بين الحرية والخوف كما يراها إدواردو جاليانو، وهى كما قال يوما الفيلسوف الفرنسى الجزائرى الأصل ألبير كامو: «كل ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الإنسان أدين به لكرة القدم».!