بدائل تمويل انتقال الطاقة
مدحت نافع
آخر تحديث:
الإثنين 8 يوليه 2024 - 6:15 م
بتوقيت القاهرة
عندما تناولنا مفهوم انتقال الطاقة فى مقال سابق (نشر بالشروق تحت عنوان محددات انتقال الطاقة 25 مايو 2021) كان الهدف هو إلقاء الضوء على مصطلح جديد، مداره الانتقال من الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة التقليدية الملوثة للبيئة، إلى مصادر نظيفة متجددة كلما أمكن، أو استهلاك مرشّد ذى بصمة كربونية أقل للموارد المستخدمة. هناك حاجة ماسة إلى انتقال أو تحوّل الطاقة، ليس فقط لتسريع وتيرة النمو الاقتصادى والتنمية، ولكن أيضًا لتقليل الانبعاثات الضارة، والوصول إلى صافٍ صفرى محايد للانبعاثات الكربونية، والحد من تغيّر المناخ.
• • •
التحول الكهربى Electrification هو إحدى صور انتقال الطاقة. فى وقت نشر المقال المشار إليه، لم تكن مصر تعانى من أزمة فى الكهرباء، وتم تعزيز القدرات الإنتاجية بشكل كبير، وتحقق فائض فى القدرة لم يواكبه تطور ملحوظ فى طاقة التشغيل المطلوبة. حينها كان لابد من تعزيز الشبكة القومية بمزيد من المصادر المتجددة فى مزيج الطاقة، والتخفيض التدريجى فى الاعتماد على الغاز الطبيعى والمازوت فى إنتاج الكهرباء، مع الحرص على استقرار وكفاءة الشبكة بكل تأكيد.
تبدو العقبة الأهم فى مجال الانتقال الطاقى على مستوى العالم حاليا، ماثلة فى بدائل التمويل المناسبة، نظرا لارتفاع التكلفة الرأسمالية لمشروعات الطاقة المستدامة، وارتباطها بتكاليف إضافية فى مجالات البحث والتطوير والصيانة. بالإضافة إلى موجة التشديد النقدى التى تجتاح العالم وترفع من تكلفة رأس المال فى مختلف المشروعات.
وهناك نوعان من النماذج المستخدمة للتحول نحو استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة:
1) نماذج الملكية؛ مثل نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص بصورها المختلفة (BOOT، BOT، BOO، وغيرها)، وتهدف هذه النماذج إلى التغلب على التحديات المتعلقة بالعمليات الضخمة لتمويل المشروعات، فضلا عن التحديات الفنية للتنفيذ.
2) نماذج تقديم الخدمة، والتى تركز على توفير منتج أو خدمة للمستخدم النهائى من خلال شركة خدمات الطاقة (ESCO)، والتى يمكن أن تكون منشأة خاصة أو عامة، أو تعاونية، أو منظمة غير حكومية (NGO)، أو شركة خاصة.
هناك أنواع مختلفة من المنتجات المالية التى تستخدم بشكل أساس لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة. وأشهر المنتجات وأكثرها إصدارا لهذا الغرض هى: السندات الخضراء، والأسهم، والقروض والمنح... وتشمل آليات التمويل الأخرى التى تستخدمها الحكومات والمؤسسات والشركات لتمويل برامج أو مشروعات تطوير الطاقة المتجددة، على سبيل المثال لا الحصر: تعريفات التغذية للشبكة، والحوافز الضريبية، والشهادات الخضراء القابلة للتداول؛ بالإضافة إلى آليات الدعم الحديثة (نسبيا) مثل: الصناديق التعاونية، والصناديق الدوّارة للسندات الهجينة، وقروض الأسهم الضريبية، واحتياطى خسائر القروض، والتمويل الجماعى..
• • •
وفقا للتجارب الدولية لأكبر الدول استهلاكا للطاقة المتجددة، هناك العديد من بدائل تمويل انتقال الطاقة يمكن لمصر الاستفادة منها وتطويرها وفقا لاحتياجات القطاعين العام والخاص والمشترك. وذلك للعمل على توسيع فرص التمويل المتاحة حاليا لمشروعات الطاقة المتجددة، أو لإقامة مشروعات جديدة لم يتم طرحها فى السوق بعد. ومن أبرز البدائل التمويلية فى هذا المجال ما يمكن تصنيفه تحت المجموعات التالية:
• التمويل المختلط: الذى يجمع بين أكثر من بديل تمويلى (كالقروض والسندات والأسهم..)
• السندات والصكوك المستدامة والخضراء: تلك التى توجّه حصيلة الاكتتاب فيها لتمويل مشروعات محققة لأهداف بيئية مستدامة، ويخضع إصدارها وتصنيفها labeling إلى شروط مختلفة.
• آلية الضمان: تلك التى تصدر عن جهات مختلفة لصالح مشروعات ذات أغراض بيئية تنموية.
• التأمين: وهنا يستخدم التأمين كأحد آليات الضمان للقروض وبدائل التمويل، وليس فقط كأداة للتحوّط ضد المخاطر المختلفة التى يواجهها المشروع.
• مناقصات ومزايدات الطاقة المتجددة: وتلك التى يمكن استغلالها للتخصيص الأمثل للمزايا الممنوحة لهذا النوع من المشروعات، مع تفضيل المشروعات الأكفأ فى إنتاج الطاقة من حيث التكلفة والأثر البيئى.
• • •
وهناك العديد من بدائل التمويل غير التقليدية التى انتشرت مؤخر فى مجال مشروعات الطاقة المتجددة، والتى يمكن تطويرها واستخدامها فى مصر، ومنها على سبيل المثال:
• التمويل الجماعى crowd funding:
وقد ظهر التمويل الجماعى كمصدر جديد للتمويل الأخضر فى دول مثل أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. ويقوم هذا النوع من التمويل بتعبئة الأموال من عدد كبير من الشركات الخاصة الصغيرة، للوصول إلى النطاق المطلوب لتنفيذ مشروع كبير. وتستخدم تلك الآلية منصات إلكترونية لتعبئة الاستثمارات، وكانت ناجحة فى الهند إلى حد بعيد. وإذا استخدمت تلك الآلية فى مشروعات على نطاق المنافع utility scale لخدمة توفير الكهرباء فى مدينة كبيرة مثل 6 أكتوبر مثلا، يمكن تعبئة الاستثمارات لتمويل محطات طاقة شمسية تصلح لخدمة عدد من المشروعات السكنية، مع ربطها بالشبكة القومية. ويمكن السماح للمستثمرين الأفراد والشركات للاكتتاب عبر تلك المنصة.
• المنح الطارئة لتطوير المشروعات:
أحد الأشكال المحددة المناسبة لمشروعات تكنولوجيا الطاقة المتجددة الأكبر حجما. تواجه تلك المشروعات مخاطر استثنائية فى التكاليف والتراخيص والموافقات.. عندما تكون التقنيات جديدة وغير مألوفة. يمكن الاستفادة من منح مقدمة عبر المؤسسات العامة والدولية لتوفير منح مساعدة. وهنا تلعب وزارة التعاون الدولى دورا هاما فى تسهيل تلك المنح، ووصولها إلى مستحقيها. وكثيرا ما يتم تقديم التمويل فى هيئة قرض مشروط، يتحول إلى منحة إذا تم تنفيذ المشروع بنجاح. ويتم إنشاء حوافز للمطوّر لمواصلة التنفيذ السريع للمشروع. ولكن هناك مخاوف واضحة بشأن كيفية قيام المطور بسداد القرض إذا لم ينجح المشروع، فضلا عن الشكوك حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الحوافز للوصول إلى التنفيذ.
• السندات المرتبطة بالاستدامة:
تُعرف سندات الاستدامة بأنها أداة دين لتمويل المشروعات الخضراء ذات الجوانب الاجتماعية. أما السندات «المرتبطة» بالاستدامة، فلها تطبيق أوسع على المشروعات الخضراء بما فى ذلك مشروعات الطاقة المتجددة، ويخضع تقييمها لمؤشرات أداء متعددة.
• عقد التأجير التمويلى للطاقة الشمسية solar lease:
لعدة سنوات، تم استخدام عقود التأجير التمويلى لتمويل شراء المعدات الرأسمالية بصفة عامة، ويمكن تقديمها اليوم للسوق العقارية فى تمويل شراء نظام الكهروضوئى لأسطح المنازل بدلا من الشراء. حيث يقوم مالك العقار، بإبرام عقد مع مالك النظام الكهروضوئى ويوافق على سداد دفعات شهرية لإيجاره خلال فترة استهلاك الكهرباء المولدة.
• • •
فى إطار المساعدة فى إعداد استراتيجية الطاقة لمصر 2040 قدّمت نموذجا تمويليا مقترحا فى صورة آلية مستقرة لتمويل انتقال الطاقة فى مصر تأخذ شكل صندوق استثمار لانتقال الطاقة Energy Transition Fund، كما قدّمت نموذجا مشابها له للتطبيق فى سوريا. فى النموذج المذكور، يتمتع المستثمر المباشر الراغب فى الاستثمار فى مشروع أخضر فى مجال الطاقة المتجددة، بخيار الوصول إلى بنك للمشروعات الجاهزة للتنفيذ، إما بالشراكة مع الدولة من خلال أى من أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو فى شركة مساهمة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص.
لدى المستثمر أيضا خيار طرح فكرة مشروع جديد، يتعين إقراره من قبل ذراع التخطيط الحكومى المعنى (جهاز تخطيط الطاقة مثلا الذى لم يعد قائما). الموافقة الحكومية تنظيمية، وهى مطلوبة للتأكد من أنها لا تتعارض مع استراتيجية الطاقة فى الدولة. المشروعات المعتمدة مؤهلة للحصول على الحوافز الحكومية (الإعفاءات الضريبية – تخصيص الأراضى بشروط ورسوم خاصة – شهادة موافقة للحصول على قروض بنكية بأسعار أفضل …) يمكن لمبادرات وبرامج الطاقة المتجددة (مثل NWAFE) أن تشكّل بوابة مثالية لهذه المشروعات بالنسبة للمستثمرين.
تقوم المبادرة أو البرنامج الأكثر صلة بالتشاور مع جهاز التخطيط بتصنيف المشروع المقدّم تحت أحد نوعين (نطاق المشروعات الكبرى - مشروع صغير أو متوسط) وإرسال ملف المشروع إلى صندوق انتقال الطاقة، ليقوم الصندوق بفحص دراسة الجدوى الأولية، ويقرر ما إذا كان مهتما بالاستثمار فى المشروع أم لا.
إذا كان الصندوق مهتمًا بالاستثمار المباشر، فيجب عليه التفاوض مع مستثمرى القطاع الخاص بشأن النموذج والحصة المقبولين بشكل متبادل. يمكن للصندوق بعد ذلك إنشاء مجمّع تمويلي، حيث يبدأ فريق مشروع متخصص من الصندوق ومستثمرى القطاع الخاص فى استكشاف المزيج المناسب من الأسهم وأدوات الدين، من خلال التواصل مع الأطراف المهتمة فى القطاعين الخاص والعام (لتمويل الأسهم والسندات، والمشاركة بالحصص العينية) والبنوك التجارية والمؤسسات المالية الدولية (بالنسبة لعنصر الديون). فى هذه الجولة الأولى من التمويل، لن تكون هناك حاجة لسوق رأس المال (الأساسى أو الثانوى). وسينظر الصندوق بالطبع فى ترويج هذه الفرصة الاستثمارية إلى الصناديق السيادية الإقليمية والدولية.
بعد الاتفاق على نسبة الدين إلى حقوق الملكية (عادة 70:30)، وبعد الموافقات اللازمة على تكوين رأس المال، يتم إنشاء «شركة ذات غرض خاص» مملوكة للمساهمين، ثم يتم تحويل مجمّع التمويل إليها. تكون الشركة مسئولة عن تمويل المشروع فى هذه المرحلة، حيث تتوصل إلى عقود بيع مسبقة لمنتج الطاقة المتجددة، وهى بمثابة ضمانات هامة للحصول على شروط تمويلية فضلى. ويمكن إصدار عقود البيع من كيانات حكومية ومن القطاع الخاص.
وبعد تأمين رأس المال الأولي، يمكن إجراء جولة إعادة التمويل من خلال سوق الأوراق المالية. السندات الخضراء، والصكوك الخضراء، والسندات المورّقة، والسندات المزدوجة، وسندات الإيرادات... كلها نماذج من المنتجات المالية التى يمكنها تمويل الزيادات فى رأس مال مشاريع الطاقة المتجددة وتأمين الخروج الجزئى أو الكلى للمستثمرين فى الجولات المبكرة.