ملاحظات على المشهد الإقليمى
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 8 أغسطس 2010 - 9:38 ص
بتوقيت القاهرة
اشتباكات بين الجيش الإسرائيلى والجيش اللبنانى فى المنطقة الحدودية، تصريحات إيرانية وسورية عن حرب إقليمية باتت قريبة، تأكيد أمريكى على وجود خطة لضرب إيران حال امتلاكها لتكنولوجيا نووية عسكرية، صواريخ تطلق من سيناء على العقبة وإيلات، خلافات فلسطينية ــ فلسطينية وعربية ــ عربية حيال قضية التفاوض المباشر مع الحكومة الإسرائيلية، حديث يتواتر عن ضغوط أمريكية على الرئيس الفلسطينى محمود عباس لقبول التفاوض المباشر على الرغم من التعنت الإسرائيلى تقابله تلميحات لرسميين فلسطينيين وعرب إلى وجود تطمينات أمريكية قدمت لعباس بشأن مرجعيات عملية التفاوض وإطارها الزمنى.. كانت هذه أبرز عناوين الصحافة المحلية والإقليمية التى سجلتها حين مراجعتى لأهم أحداث الأسابيع الثلاثة الماضية وتؤشر مجتمعة على لحظة توتر إقليمى جديدة.
فالاشتباكات الإسرائيلية ــ اللبنانية فى المنطقة الحدودية، وعلى الرغم من أنها طوقت عملياتيا بصورة سريعة، جاءت بعد تصعيد كلامى استمر لفترة طويلة بين إسرائيل وحزب الله وفى ظل بورصة لبنانية رائجة للتوقعات بنشوب حرب قريبة بينهما.
كما أنها حدثت بعد أيام من تجدد الخلافات اللبنانية ــ اللبنانية لجهة ملف المحكمة الدولية لقتلة الرئيس رفيق الحريرى وما سرب بشأن احتمال توجيه الاتهام لعناصر من حزب الله بالضلوع فى جريمة الاغتيال، وهى الخلافات التى لم تسفر القمة الثلاثية بين ملك السعودية والرئيس السورى والرئيس اللبنانى سوى عن تسكينها على نحو مؤقت.
وفى الجانب الإسرائيلى، تثير القلق الحشود الكبيرة التى أرسلها الجيش إلى المنطقة الحدودية كما يصعب الاسبتعاد التام لفرضية لجوء حكومة اليمين إلى مغامرة عسكرية ضد حزب الله أو حماس أو كليهما لتغيير المشهد الإقليمى وربما للتهرب من الالتزامات القليلة التى يرتبها عليها التفاوض مع الفلسطينيين والمحاولات المتكررة للمبعوث الأمريكى ميتشيل لانتزاع موافقة إسرائيلية على تمديد تجميد الاستيطان ووضع قضايا الحل النهائى على مائدة المفاوضات.
وفى ذات الاتجاه، أى تصاعد احتمالية نشوب حرب جديدة فى الشرق الأوسط، تذهب تصريحات الرسميين الإيرانيين والسوريين. فإيران، وبعد أن تعثر مسار تفاوضها مع الجماعة الدولية بشأن برنامجها النووى وفرضت عليها عقوبات دولية قاسية وقللت إدارة أوباما من أهمية الحوار معها، تتخوف من ضربة إسرائيلية ضد حلفائها فى لبنان وغزة تضر بمصالحها الإقليمية. الجمهورية الإسلامية أيضا تتخوف من ضربة عسكرية إسرائيلية ضد منشأتها النووية ولا تستبعد توظيف الإمكانات العسكرية لحزب الله وربما لحماس كجزء من الرد الايرانى على تل أبيب.
أما سوريا، وهى اليوم منتشية لعودتها لسابق موقعها فى لبنان ولانتهاء عزلتها الإقليمية والتطور الإيجابى لعلاقتها مع السعودية مع استمرار تحالفها الإستراتيجى مع إيران، فتتشدد خطابيا وسياسيا ضد إسرائيل بعد فشل المفاوضات غير المباشرة بينهما ومع تراجع تفاؤل دمشق بما يمكن أن تقدمه إدارة أوباما لإنهاء الصراع العربى ــ الإسرائيلى.
سوريا أيضا تلوح بالإمكانات العسكرية لحلفائها الإقليميين وتتبنى موافقهم وتعلن، كما جاء على لسان رئيسها منذ أيام، أن المواجهة المقبلة فى الشرق الأوسط لن تقتصر على ساحة واحدة، بل ستتعدد ساحاتها. ومع أن حكومة اليمين الإسرائيلية لا ترغب فى التصعيد مع سوريا، إلا أنها لا تستطيع أن تستبعد الساحة السورية والتحالف الإستراتيجى بين دمشق وطهران والدعم السورى لحزب الله وحماس من حساباتها وهى تفكر، على الأرجح بجدية، فى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية والتداعيات المحتملة لها والأدوار المتوقعة لحلفاء إيران.
هنا تضفى التصريحات الأمريكية الأخيرة بشأن وجود خطة جاهزة لضرب إيران حال ثبوت امتلاكها للسلاح النووى، هى جاءت هذه المرة على لسان الأدميرال مولن، المزيد من الخطورة على المشهد الإقليمى وتدفع الأطراف العربية الصديقة لواشنطن إلى التشكك فى أولويات سياستها فى الشرق الأوسط.
فالمؤكد أن وعود أوباما بالعمل على إنهاء الصراع العربى ــ الإسرائيلى لم تسفر إلى اليوم عن نجاحات فعلية، بل تكاد تقتصر إنجازات دبلوماسية أوباما على الضغط المستمر على السلطة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات. فالسلطة قبلت الشروع فى المفاوضات غير المباشرة بعد ضغوط أمريكية ودون ضمانات حقيقية، ثم عادت وقبلت الذهاب إلى المفاوضات المباشرة دون التزام إسرائيلى لا بمرجعية واضحة ولا بإطار زمنى محدد ولا بإجراءات لبناء الثقة طالبت بها واشنطن قبل رام الله وعواصم السلام العربية. أما التلميحات المتواترة اليوم إلى وجود تطمينات أمريكية بشأن التفاوض المباشرة فلا تعدو أن تكون محاولة بائسة لإخفاء الإخفاق الفلسطينى والعربى فى دفع إدارة أوباما لتقديم ضمانات واضحة وملزمة قبل المفاوضات المباشرة.
أخيرا، يقدم إطلاق عناصر تابعة لفصائل فلسطينية لصواريخ على العقبة وإيلات من سيناء المصرية دليلا بينا على صعوبة احتواء الصراع العربى ــ الإسرائيلى فى ساحات بعينها وعزلها عن غيرها من الساحات. فمصر، ومن أراضيها أطلقت الصواريخ، والأردن، وبها تعرضت العقبة للهجوم، تربطهما بإسرائيل معاهدات سلام ناجحة والدولتان لا مصلحة لهما فى توترات عسكرية على حدودهما. على الرغم من ذلك لم يعد بالإمكان عزلهما عن مجمل توترات المشهد الإقليمى، ولا عن سياسة حافة الهاوية التى تتبعها العديد من الأطراف الإقليمية دولا كانت أو حركات.
مشهد مقلق ونذر توتر خطير.