عواقب الاحتلال الإسرائيلى اللا إنساني

هنري سيجمان
هنري سيجمان

آخر تحديث: السبت 8 أغسطس 2015 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار الوزراء فى حكومته عن شعورهم بالصدمة والغضب إزاء إحراق منزل فلسطينى فى قرية بالضفة الغربية يوم الجمعة الماضى، فيما يشتبه بأنه من فعل المتطرفين اليهود، مما أسفر عن وفاة رضيع عمره 18 شهرا حرقا، وبقاء والديه وأخ يبلغ من العمر أربع سنوات فى حالة حرجة.

وذكرت تقارير صحفية أن جيرانهم الفلسطينيين الذين رأوا الملثمين ــ اللذين أشعلا الحريق ــ عبروا عن عدم تصديقهم لمرأى الاثنين وهما «يشاهدان شخصين يحترقان على الأرض، ويستمع إلى طفل لا يزال يصرخ فى الداخل، بلا اكتراث».

وفى اليوم نفسه، أطلق جنود الجيش الإسرائيلى النار على فتى فلسطينى حاول تسلق السور المحيط بغزة، فى حدث يتكرر يوميا تقريبا ويكاد يكون روتينيا فيما يصر نتنياهو على أنه «الجيش الأكثر أخلاقية فى العالم».

ويكذب هذان الحدثان معا، شعور الصدمة الذى زعمه نتنياهو ووزراؤه إزاء حرق العائلة الفلسطينية. لأن المستوطنين اليهود وكثيرا من الجمهور اليهودى فى إسرائيل، لا يرون اهمية لحياة العرب، نظرا للأوامر التى صدرت من نتنياهو وحكومته إلى الجيش الإسرائيلى بإطلاق النار بهدف قتل المراهقين الفلسطينيين الذين يتسلقون السور ــ وهم لا يشكلون خطرا قاتلا على قناصة الجيش الإسرائيلى فى تلك المرحلة ــ بدلا من إلقاء القبض عليهم. وليس لدى علم عن حالة واحدة مماثلة قتل فيها الجيش الإسرائيلى المراهقين اليهود ــ أو البالغين ــ بسبب تسلق سور بصورة غير قانونية أو التعدى على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية.

ولا ينبغى ان نستغرب للربط المباشر بين تجريد حياة العرب من الإنسانية الذى أشعل الغضب فى قرية الدومة، وسياسات رئيس الوزراء نتنياهو وزملائه وزراء حكومته. ففى أى دولة ديمقراطية يجرؤ رئيس الدولة على تعيين وزير للعدل ينشر استحسانا على صفحته على الفيسبوك ـ كما فعل ايليت شاكيد ـ لمقال يدعو لقتل الرضع العرب وأمهاتهم فى غزة، ويصفهم بأنهم «ثعابين»، حتى لا يلدن الإرهابيين العرب فى المستقبل؟

***

وربما يكون الاشمئزاز الذى أعرب عنه نتنياهو إزاء الاعتداءات التى أسماها المستوطنون الإرهابيون هجمات «بطاقة الثمن» حقيقيا. لكنه لا يخفى دوره فى تجريد الفلسطينيين من حقهم الإنسانى بسبب عزمه على إبقاء الملايين من الفلسطينيين تحت الاحتلال والحرمان من كل الكرامة والحقوق، بعدما أقنع قطاعا كبيرا من الرأى العام اليهودى فى إسرائيل أن طمعه فى الأراضى، المتنكر فى زى السعى إلى تحقيق الأمن، يبرر الاحتلال الإسرائيلى الدائم والقهر. وهى سياسة خلقت بالتأكيد المناخ الذى يولد الفظائع التى نراها الآن.

ومع ذلك، فإن معظم الاستنكار المنافق ليس ما يفعله نتنياهو وكارهو الأجانب والرجعيون فى حكومته (التى كان الجميع ـ باستثناء الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين ـ أن وعدها بحل الدولتين كان كذبة)، ولكن أيضا استنكار اسحق هرتسوج، زعيم ما يسمى المعارضة، ورئيس الاتحاد الصهيونى (سابقا حزب العمل الذى يمثل يسار الوسط).

وليس هناك ما يمكن أن يكون أكثر خداعا من موقف هرتسوج من حل الدولتين وهو من دعاة الليبرالية. فلا يمكن تمييز موقفه الحقيقى حول هذا الموضوع من موقف نتنياهو. ففى حين يصر على انه يفضل تجميد البناء فى المستوطنات، وهو يريد استئناف محادثات سلام صورية مع الفلسطينيين، كما يفعل نتنياهو. ومثل نتنياهو، يستبعد صراحة إمكانية أن تؤدى هذه المحادثات إلى اتفاق الدولتين مع القيادة الفلسطينية الحالية.

***

وعلى غرار نتنياهو أيضا، لا يتعلق طموح هرتسوج البالغ باتفاقية سلام أو إنهاء الاحتلال، ولكن بأن يجلس فى يوم من الأيام على كرسى رئيس الوزراء. وقد دفعه ذلك إلى قيادة حزبه بعيدا عن المراسى الديمقراطية والليبرالية الأصلية، نحو التوافق الليبرالى الإسرائيلى السياسى الذى شكله نتنياهو والمستوطنون والمتطرف الدينى الصهيونى نفتالى بينيت.

ولهذا أيضا يؤيد هرتسوج تماما معارضة نتنياهو للاتفاق النووى الدولى مع إيران، كما انه لا يؤيد فقط الهجوم الإسرائيلى على غزة فى العام الماضى، ولكن انتقد نتنياهو لعدم مواصلة ارتكاب المجازر والإجهاز على حماس. وهو السبب أيضا فى أنه لم يبد ـ ولا حزبه ـ أى اعتراض عندما شرع الكنيست أخيرا فى تمرير تشريعات تهدف إلى إغلاق المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية التى تسعى إلى حماية حقوق الأقليات فى إسرائيل والفلسطينيين فى الأراضى المحتلة.

كما أنه السبب فى أن ادعاء هرتسوج الليبرالية، على الرغم من تعاونه الفعلى فى إدامة الاحتلال، يجعله شريكا لنتنياهو فى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية وخلق المناخ الذى يحدث هذه الاعتداءات.

وتعتبر الردود التى كتبها المدافعون عنها ضد انتقادات السياسة الإسرائيلية متوقعة، ولا يمكن تقبلها. حيث يشيرون إلى اعتداءات أسوأ يرتكبها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين. ولكن تلك الردود لا تقنع احدا، ما دامت إسرائيل محتلا استعماريا لشعب آخر ــ ليس فقط لأنه لا يمكن أخلاقيا المساواة بين المحتلين وضحاياهم، ولكن لأن تأسيس دولة إسرائيل كان يقوم على فرضية أنها ستنطلق من قيمها الديمقراطية واليهودية، وليس من قيم خصومها.

كاتب المقال- رئيس مشروع الولايات المتحدة ــ الشرق الأوسط، وزميل سابق رفيع المستوى فى مجلس العلاقات الخارجية
منشور أيضا بصحيفة هآرتس الإسرائيلية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved