هامش للديمقراطية .. صندوق الانتخاب والإرادة الشعبية وسيادة القانون
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 8 سبتمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
نعود إلى البدايات: إذا كانت خبرة الفترة الممتدة من ٢٠١١ إلى اليوم فى مصر تدلل على انتفاء علاقات ارتباط طردية وأحادية بين مشاركة اليمين الدينى فى السياسة وتصاعد التزامه بالقيم الديمقراطية وتخليه الكامل عن العنف وكذلك بين مشاركة الليبراليين واليسار والتزامهم بالحرية والمساواة وسيادة القانون والمدنية، فإن خبرة ذات الفترة تثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن العلاقة بين قيم الديمقراطية وآلياتها.
صندوق الانتخاب وتداول السلطة والإرادة الشعبية وسيادة القانون: الأصل فى التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع هو بلورة أطر دستورية وقانونية وسياسية مستقرة تمكن المواطنات والمواطنين من المشاركة فى إدارة الشأن العام عبر الانتخاب الدورى لممثليهم فى السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكفل لهم حريات وحقوقا متساوية، بما فى ذلك حق مساءلة ومحاسبة المنتخبين.
لذلك ليست الديمقراطية مجرد صندوق انتخاب دورى ونزيه يحقق تداول السلطة ويعبر كل بضع سنوات عن الإرادة الشعبية وانحيازاتها (الشرعية الانتخابية)، بل يأتى هذا الصندوق فى معية أطر دستورية وقانونية وسياسية تضمن المساواة وتحدد بوضوح قواعد عمل المنتخبين وسلطاتهم ووسائل مساءلتهم ومحاسبتهم حال التجاوز ودور السلطة القضائية (الشرعية الدستورية).
بعبارة أخرى، لكى يتبلور ويستقر التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع لا بديل عن صندوق الانتخاب الدورى والنزيه، ولا بديل أيضا عن الحيلولة دون انقلاب المنتخبين على الأطر الدستورية والقانونية والسياسية ومن ثم التورط فى التوظيف غير الديمقراطى للانتخابات وللشرعية الانتخابية. وإذا كان عام رئاسة الدكتور محمد مرسى قد انتهى بالإطاحة بصندوق الانتخاب الذى جاء به وبالشرعية الانتخابية، فإن عام رئاسته شهد انقلابه هو على الشرعية الدستورية وسيادة القانون وعصفه بقواعدها الضامنة لنزاهة الشرعية الانتخابية ولتداول السلطة من أخونة الدولة والتدخل السافر فى السلطة القضائية إلى إعلان الاستبداد (٢١ نوفمبر ٢٠١٢) وتمرير دستور غير توافقى.
لضبط العلاقة بين صندوق الانتخاب وتداول السلطة والإرادة الشعبية وسيادة القانون، إذن، أولوية كبرى فى مصر لكى لا تنقلب السلطات المنتخبة على الشرعية الدستورية ولكى لا يوظف ذلك للإطاحة بصندوق الانتخاب وبشرعيته الانتخابية ويقضى من ثم على الديمقراطية أو تنهار مسارات التحول باتجاهها.
وقد تعرضت دول أخرى كثيرة لخبرات مشابهة، ولم يتبلور ويستقر تنظيمها الديمقراطى إلا باعتماد نصوص دستورية وقانونية قاطعة وتفعيلها سياسيا.
يجرم الدستور الألمانى على سبيل المثال، وبعد أن جاء صندوق الانتخاب فى ثلاثينيات القرن الماضى بديكتاتور انقلب بالكامل على الديمقراطية وعطل الإرادة الشعبية، استخدام الآليات الديمقراطية لهدم النظام الديمقراطى أو للترويج لأفكار وممارسات تتناقض مع قيمه ويمكن السلطات العامة من مراقبة ومساءلة ومحاسبة الأفراد والكيانات التى قد تتورط فى ذلك وبغض النظر عن مواقعها. وفى الممارسة الفعلية، وعبر ترسانة من القوانين القاطعة، تضطلع السلطة القضائية بمهام المراقبة والمساءلة والمحاسبة وتغل يد الأفراد والكيانات عن الانقلاب على الشرعية الدستورية وتفرض عليهم حال التورط
عقوبات رادعة. ولكى يحال أيضا بين الدولة والمجتمع وبين الانزلاق إلى الانقلاب على صندوق الانتخاب وشرعيته، ينص الدستور الألمانى على حيادية واحترافية المؤسسات العسكرية والأمنية وخضوعها بالكامل لإشراف السلطة التشريعية المنتخبة والسلطة القضائية ويجرم كل الأقوال والأفعال التى
تهدف إلى تعطيل صندوق الانتخاب الدورى والنزيه أو لا تعترف بنتائجه المعبرة عن الإرادة الجمعية للمواطنات وللمواطنين. وهناك الكثير من الخبرات العالمية الأخرى التى تستطيع مصر الإفادة منها وهى تعيد النظر فى الأطر الدستورية والقانونية والسياسية المنظمة للدولة وللمجتمع.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر