كيف نتجاوز أزمة قانون الخدمة المدنية؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 7:10 ص
بتوقيت القاهرة
قانون الخدمة المدنية الجديد أخطر وأهم من أن يتعلق مصيره بما تسفر عنه مظاهرة يوم الجمعة القادمة التى دعت إليها مجموعة من النقابات المستقلة، أو أن يمر مرور الكرام دون استعداد اكبر لتطبيقه والتعامل مع تداعياته.
القانون إجمالا ــ وكما كتبت من قبل فى هذا المكان ــ قانون جيد لأنه يسعى إلى تطوير الجهاز الحكومى، وتحقيق المزيد من الشفافية فى التعيين، وإدخال عنصر الكفاءة فى تقييم الموظفين وترقيتهم، وكلها أهداف إيجابية وضرورية لإصلاح الخلل العميق فى النظام الإدارى المصرى. ولكن من جهة أخرى فإن أسلوب إصداره قد جانبه الصواب لعدم توافر شرط الضرورة أو الاستعجال الذى يبرر لرئيس الجمهورية أن يصدره فى غياب البرلمان، ولأن العديد من الهيئات والمصالح العامة مستبعد من نطاق تطبيقه، ولأن غالبية أحكامه الموضوعية قد تم إحالتها إلى اللائحة التنفيذية.
ولكن فى كل الأحوال فإن هذا القانون بلا شك فرصة للإصلاح الحقيقى والعميق فى جهاز الدولة بما يؤدى إلى رفع مستوى الخدمات الحكومية، وترشيد الانفاق العام، وتحسين ظروف عمل الموظفين. وما فيه من عيوب ومشاكل يمكن تعديله وتوضيحه والتفاهم بشأنه، ولكن دون الرجوع إلى الوضع السابق الذى كان يرسخ لاستمرار الفساد الحكومى والعجز عن التطور ومواكبة احتياجات العصر والتنمية. ولذلك فمن الضرورى ألا يتحول الخلاف الراهن حول القانون إلى معادلة صفرية، تنتهى إما بإلغاء القانون والعودة إلى ما سبقه، أو الإصرار على عدم تعديله، أو استكمال التشاور بشأن لائحته التنفيذية، أو تجاهل ضرورة تطبيقه بشكل تدريجى حتى يحقق الأهداف الإيجابية المرجوة منه.
قانون الخدمة المدنية، بحكم طبيعته، ليس من القوانين التى يتم تنفيذها بمجرد النشر فى الجريدة الرسمية وإجراء بعض التعديلات اللائحية وإصدار تعليمات مكتوبة إلى الإدارات والمصالح الحكومية المخاطبة بأحكامه. هذا قانون يتعلق بتغيير مؤسسى كبير ويمس حياة ملايين الموظفين الذين يمثلون ــ مع عائلاتهم ــ ما يقرب من ربع المجتمع المصرى. وطبيعة التغيير المؤسسى أنه لا يتحقق بالتشريع وحده، بل بالتوعية، والتدريب، وتغيير التعليمات واللوائح التفصيلية، والتطبيق التدريجى، والتجربة والخطأ، والاستعانة بآليات للمتابعة والقياس والتصحيح، وتغيير ثقافة وسلوك المخاطبين به. والبيروقراطيات فى العالم كله ــ وعلى رأسها الجهاز الإدارى المصرى العتيد ــ معروفة بقدرتها على استيعاب التغيرات القانونية، والتأقلم معها، وتجاهلها تدريجيا، ثم التوسع فى الاستثناءات والتجاوزات، حتى تعود الأوضاع واقعيا إلى ما كانت عليه سابقا وكأن شيئا لم يتغير.
لذلك فإن ما يقلقنى فى الوضع الراهن هو أن تعتبر الحكومة أن التحدى الذى يواجهها هو تجاوز مظاهرة الجمعة القادمة، بالتفاهم أو بالمواجهة، وأن تكتفى بكسب الرأى العام فى صفها، بينما التحدى الأصعب هو ادخال التعديلات اللازمة فى القانون، والتشاور بصبر وبعقلية منفتحة مع الأطراف المعنية حول لائحته التنفيذية، والاقتناع بضرورة تطبيق أحكام القانون تدريجيا حتى يتم استيعابه مؤسسيا وتطبيقه بشكل يؤدى إلى تحقيق أهدافه الرئيسية، ولو تطلب ذلك التراجع عن بعض الأحكام والإنصات لمقترحات وجيهة خاصة فى موضوعى الإجور والتقييم.
كنت قد دعوت فى مقال سابق لإرجاء العمل بالقانون حتى يتم انتخاب البرلمان الجديد والانتهاء من اعداد ومناقشة لائحته التنفيذية. ولكن الواقع أن هذا الخيار لم يعد متاحا لأن الدولة متمسكة بتطبيق القانون فورا، خاصة أن الأحكام المتعلقة بالأجور قد جرى تطبيقها بالفعل بدءا من مطلع شهر يوليو الماضى ولم يعد من الممكن التراجع عنها. والمهم ألا نتوقف عند هذه النقطة وإن نتقدم لأن طبيعة الموضوع وأهميته وضرورة التفاوض والتنازل من جميع الأطراف، يحتمان البحث عن حلول بديلة ومخارج من الأزمة الحالية تحقق الصالح العام. هذا الصالح العام يقتضى أن يعيد الداعون للمظاهرة النظر فى الحكمة من هذه الدعوة خاصة وأن مطالبهم معروفة وإن الحكومة تؤكد أنها مستعدة لسماع اقتراحاتهم، وفى المقابل فعلى الحكومة أن تقدم وعدا صريحا بالاستمرار فى منافشة مقترحات وبدائل القانون واللائحة التنفيذية بما يقرب وجهات النظر ويأخذ فى الاعتبار بمطالب ومخاوف الموظفين ويقيم التوازن ببن مصلحتهم ومصلحة المجتمع والاقتصاد القومى. والأهم من ذلك إن تعلن الحكومة أن تطبيق القانون ولائحته على النحو الذى يتم الاتفاق عليه سوف يكون تدريجيا ومستندا إلى برنامج واضح للتوعية والتدريب والقياس.
فهل من مجال للتفاهم؟