ذكرى 11 سبتمبر فى زمن ترامب
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 8 سبتمبر 2016 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
رغم إعلان المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون والجمهورى دونالد ترامب تعليق فعاليات الحملة الانتخابية للرئاسة خلال الذكرى الخامسة عشر لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتى تحل يوم الأحد القادم وذلك احتراما للضحايا وعائلاتهم، إلا أن الذكرى ونتائجها وأبعادها حاضرة وبشدة فى الحملة الانتخابية بسبب استغلال ترامب للحادثة الإرهابية الأهم فى التاريخ الأمريكى، وأكاذيبه بخصوصها والتى لم يغير حولها رأيه بعد. ويضيف قدوم عيد الأضحى هذا العام متزامنا مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر، والتى تركت ما يقرب من ثلاثة آلاف قتيل أمريكى على يد تنظيم القاعدة بزعامة السعودى أسامة بن لادن والمصرى أيمن الظواهرى، أبعادا إضافية للذكرى وللحملة الانتخابية أيضا.
***
استغل ترامب أحداث 11 سبتمبر فى حملته الدعائية بطريقة مزدوجة وجه من خلالها هجومه على عرب أمريكا وعلى المملكة السعودية. ولم يتراجع ترامب عن كذبه وادعاء مشاهدته لاحتفالات الجالية العربية فى ولاية نيوجيرسى المجاورة لنيويورك عقب وقوع البرجين. وكذب ترامب وقال نصا «رأيت مركز التجارة العالمى ينهار، ورأيت جيرزى سيتى فى ولاية نيوجيرزى، حيث كان آلاف وآلاف الناس يحيون ويحتفلون بانهيار المبنى». وتتناغم ادعاءات ترامب مع خطابه المتعصب الفاشى المناوئ للمسلمين. فخلال حملته الانتخابية التى بدأت قبل عام، تعهد ترامب بالنظر جديا فى موضوع إغلاق بعض المساجد وتشديد الرقابة على بعضها الآخر، كما قطع عهدا باستصدار بطاقات هوية خاصة بالمسلمين.
كما تحدث عن إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتعقب وتتبع ومراقبة المسلمين المقيمين فى الولايات المتحدة، ناهيك بالطبع عن أكثر وعوده خطورة والمتمثل فى منع كل المسلمين من دخول البلاد. وساهم ما تعرض له بعض المسلمين لممارسات مشينة بعد أحداث 11 سبتمبر ممثلة فى مواجهة عملية profiling أو ما يمكن ترجمته كاشتباه نمطى متزايد فى المطارات على سبيل المثال لتذكية قبول قطاع واسع من الأمريكيين لهذه السياسات. وتقوم بعض الأجهزة الأمنية بمراقبة العديد من المساجد التى يعتقدون بانعقاد دروس واجتماعات قد ينتج عنها تهديدات مستقبلية، وهو ما لا يعترض عليه الكثيرون.
ويستغل ترامب أى حادثة ترتبط بالمسلمين لمساعدة حملته الانتخابية التى لا تملك حظوظا حقيقية للفوز. وبعد وقوع حادثة مدينة أورلاندو ذات الدافع العاطفى الجنسى، والتى قام بها أمريكى مولود بأمريكا لأبوين من أفغانستان، ونتج عنها مقتل خمسين شخصا، وجرح أكثر من مائة آخرين داخل ملهى للمثليين، خرج ترامب مسرعا للتعقيب على المأساة بتجديد عزمه منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإلقاء اللوم كله على مسلمى البلاد لفشلهم فى منع الهجوم والحيلولة دونه.
ثم ذهب ترامب بعيدا وكتب على حسابه بتويتر وقد اعترته نشوة عارمة لثبوت صحة مزاعمه وادعاءاته بأنه «كشف الإرهاب الإسلامى على حقيقته»، مكررا نداءه بحظر دخول كل المسلمين إلى أمريكا. ثم وسع ترامب من دعوته السابقة وطالب بحظر دخول للمسلمين يشمل كل البلدان التى سبق فى تاريخها ارتكاب العنف بحق الولايات المتحدة وحلفائها، وهى توسعة ــ لو يدرى ــ ستشمل دول العالم كله. كذلك اتهم ترامب مسلمى أمريكا بالخيانة دون الاستناد إلى دليل، زاعما أنهم يتآمرون بصورة منتظمة مع المتطرفين لضرب البلاد وإخفاء من سينفذون الهجمات الإرهابية عن أعين السلطات وعرقلة تحقيقات مكافحة الإرهاب الفيدرالية.
***
من ناحية أخرى ترتبط أحداث 11 سبتمبر لدى ترامب بدور مزعوم للمملكة السعودية فيها على خلفية وجود 15 سعوديا ضمن الإرهابيين الـ 19 ممن نفذوا الهجمات. وقال ترامب إن مقتطفات تقرير لجنة تحقيق 11 سبتمبر، والذى أبقاه سريا الرئيس جورج بوش وأوباما من بعده قبل نشرة قبل أسابيع، يظهر أن المملكة العربية السعودية، حليفة الولايات المتحدة، لعبت دورا مهما فى الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمى. ثم أضاف فى حوار تليفزيونى مع محطة فوكس الإخبارية «لقد هاجمنا العراق ونحن كنا نعلم أنهم ليسوا من أسقط مركز التجارة العالمى».
ثم تمادى ترامب فى هجومه على السعودية بالقول إن «السبب الرئيسى لدعمنا للسعودية هو حاجتنا للنفط، ولكننا الآن لا نحتاج كثيرا إلى نفطهم، وبحال تغير الحكم بأمريكا فقد لا نحتاج نفطهم على الإطلاق ويمكننا ترك الآخرين يتصارعون حوله»، وأضاف: «أن السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا لقاء ما تحصل عليه منها سياسيا وأمنيا، والسعودية ستكون فى ورطة كبيرة قريبا، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى».
***
وهكذا ساهمت 11 سبتمبر، وما تلاهما من غزو لأفغانستان والعراق، بكل ما حمل من مآسٍ وفضائح وجرائم فى الإضرار بالعلاقات الأمريكية الإسلامية. وانقسمت تجربة المسلمين الأمريكيين منذ الحادثة بين ما هو إيجابى وما هو سلبى. إيجابيا ظهر فى تطوير المسلمين خبرات التعامل مع تحديات التمييز العنصرى، وزاد إيمانهم بضرورة وقيمة العمل السياسى والقانونى والحقوقى بشكل عام. وتمثل الجانب السلبى فى زيادة حالات التمييز العنصرى ضد المسلمين والعرب سواء فى أماكن العمل والدراسة أو التسوق، وقبول ما لا يقل عن 404 من الناخبين بما يطرحه ترامب.
***
وهكذا تحل ذكرى 11 سبتمبر ويحل عيد الأضحى فى أوقات عصيبة يعيشها المسلمون فى الولايات المتحدة مع تصاعد غير مسبوق فى شعبية الخطاب الدعائى المناوئ لهم والمشكك فى أمريكيتهم، مع تصاعد وتيرة عدائية موسمية تجاه السعودية مع تشدد خطاب ترامب تجاهها.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن