لماذا نحب مجدى نجيب؟
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
لا يحتاج الوصول إلى قاعة قرطبة للفنون بحى المهندسين إلى جهد كبير، فهى قريبة جدا من شارعين شهيرين، الأول هو شارع شهاب والثانى شارع جامعة الدول العربية وتقع فى شارع دجلة قرب منزل الشاعر العظيم صلاح عبدالصبور ومع أن نشاطها راسخ إلا أنه غير منتظم لذلك كان مدهشا أن تغامر أكثر وتبدأ موسمها الجديد وتواجه حصار كورونا بمعرض مهم للفنان والشاعر الكبير مجدى نجيب.
جاء حفل افتتاح المعرض بمثابة استفتاء حقيقى على محبة كبيرة لهذا الإنسان الفريد حيث حضرت وجوه متنوعة من وجوه العمل العام يندر أن تجتمع فى مكان واحد وفى ظرف استثنائى نادر كالذى نعيشه.
ومن بين من جاءوا الفنان هانى شنودة والفنانة أنوشكا والإعلاميان الكبيران محمد هانى وجمال الشاعر، إضافة إلى الزملاء أيمن الحكيم وماهر حسن وسامح الخطيب والفنان صبرى فواز والمخرج سيد فؤاد وبعض الشعراء والفنانين الذين يقدرون القيمة الإنسانية والإبداعية لصاحب المعرض الذى لم يأخذ من الإعلام ما يستحق من حضور ولولا مقابلة تلفزيونية طويلة ويتيمة قام بها الصديق عمر طاهر لظل وجه مجدى نجيب غامضا إلى الأبد أمام غالبية عشاق أغانيه وأشعاره التى تغنى بها كبار النجوم من أمثال عبدالحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد وسعاد محمد وصنعت شهرة محمد منير ووجيه عزيز وأحمد فكرون وغيرهم الكثير والكثير من الأسماء لذلك طغى حضور الشاعر على حضور الرسام.
وربما لا يعرف أغلب من حضروا المعرض أن مجدى نجيب دخل السجن فى الستينيات مناضلا شابا وشاعرا وخرج منه رساما، إذ تولى المناضل والفنان وليم الملك تعليمه الرسم وخرج ليعمل بعدها فى عدة مهن لأكل العيش إلى أن عمل سكرتيرا لتحرير مجلة الكواكب ورساما بها خلال رئاسة رجاء النقاش لتحريرها.
منذ ديوانه الأول صهد الشتاء ومع توالى أعماله الأخرى ومنها: الحب فى زمن الحرب وليالى الزمن المنسى ــ 1974 ومقاطع من أغنية الرصاص 1976 وغاب القمر وممكن 1996 ووش يشبه حزننا بدا واضحا أن نجيب اختار مسارا مختلفا فى كتابته لشعر العامية، لا يتقاطع مع القضايا الكبرى التى كان يرسخ لها الشعراء الكبار أمثال فؤاد حداد وصلاح جاهين، بل وبعض شعراء جيله ومنهم الأبنودى وسيد حجاب وعبدالرحيم منصور وفؤاد قاعود، فقد أراد أن يبقى على استقلاليته الفنية التى بقيت معه وعكست أشعاره شكلا من أشكال القلق الوجودى معلنة اعتزازها بثقافة السؤال وانحاز صاحبها للشك على حساب اليقين الذى شاع أيامها وقاد البلد إلى كوارث كثيرة.
وكما كتبت فى مناسبات سابقة فإن مجدى نجيب تجنب التورط فى الانخراط وراء المعنى الشائع والنبرة الإنشادية التى تربط شعر العامية بفكرة الإلقاء والشغف بالجماهيرية لأنه كان منشغلا بشىء مختلف يقترب بقصيدته من قصائد النثر التى يتعمق فيها الحس الجمالى بتفاصيل الحياة اليومية ولعل ذلك ما يفسر شغف شعراء الأجيال الأحدث بقصائده وشعورهم بتوثق أسباب الصلة بعالمه الفنى.
وبفضل هذا الجانب وجدت أشعاره الغنائية استجابة لدى المطربين الذين أرادوا أن يكونوا مختلفين وخارج السياق العام تحت زعم تبنى الأغنية البديلة قبل أن يتم دمجهم فى التيار السائد. وتجسد أغنيات مثل: (شبابيك / وسؤال / وغريبة ومش غريبة / راح أغنى ولازمنى) هذا الاختيار بجدارة وتكاد تمثل قطعية كاملة مع الميراث السائد فى الأغنية المصرية عبر تاريخها.
وخلال سنوات التسعينيات وما قبلها بقليل أعطى مجدى نجيب وقتا أطول للصحافة والكتابة عن الغناء ثم تفرغ للرسم إلى حد كبير وانشغل برسوم الأطفال شأن الفنانين الكبار الذين سبقوه إلى ذلك ومنهم حجازى وبهجت عثمان وإيهاب شاكر ومحيى اللباد وكل هؤلاء اعتبروا الأمر مهمة تربوية ونضالية أيضا، لأن ترسيخ قيمة جمالية فى عقل طفل هو موقف تقدمى ينحاز إلى المستقبل.
وشخصيا أحب رسوم مجدى نجيب وطموحها فى إعادة تأويل الحكايات الشعبية الراسخة مثل الأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس، أحب طفولته فى خيانة المنطق والاستسلام للراسخ، وإذ كان شعره ابن الوجودية القلقة فإن رسومه ورثية شرعية للفانتازيا الشعبية أو ما يسميه الدكتور شاكر عبدالحميد الغرابة وفيها أيضا تتعمق صلة القربى بين عالمه وعالم رسامين كبار من أمثال حامد ندا وعبدالهادى الجزار وسعيد العدوى لكنها لا تأتى مثل أعمالهم من سياق أكاديمى أو احترافى لأنها تشبه الشطح الصوفى القادم مما أسميه نزق الارتجال وتفضل أن تكون التجربة هى البرهان الأصيل.