العشوائية لا تعنى الفقر
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
أثرت فى عدة مناسبات إشكالية عدم دراسة الظواهر الاجتماعية بصورة معمقة، والاكتفاء بالمقولات الدارجة أو النتائج المعتادة. من القضايا التى لم تحصل على حقها من الدراسة هو التحليل الاجتماعى للعشوائيات، طبيعة سكانها، والعلاقات بينهم، والوظائف التى يقومون بها. الانطباع السائد لدى كثيرين أن سكان العشوائيات فقراء، قد يكون بعضهم كذلك، ولكن هذه ليست حالة عامة، بل إن هناك اغنياء يسكنون العشوائيات، وهى ظاهرة تبدو محيرة للبعض، الذين يظنون أن الإقامة فى مساكن عشوائية اجبار وليس اختيارا.
بداية المناطق العشوائية ليست حزمة واحدة، هناك عشوائيات خطرة، وهناك عشوائيات يمكن تطويرها.
من أمثلة العشوائيات الخطرة أحزمة الفقر التى تحيط بالمدن، وتنتشر فى جيوب وسطها، نجدها فى مصر ودول عديدة، يسكنها الفقراء، والعمالة الفقيرة التى تنتقل من الريف إلى المدينة، كما تشتغل فى وظائف هامشية، تعيش أيضا على هامش المجتمع، وهى مرتع لأشكال من الانحراف الاجتماعى، وبعض سكانها ليسوا فقراء لكنهم يفضلون الإقامة بها على غيرها لإدارة أنشطة غير مشروعة، وبعضهم قد يكون له سكن آخر خارج هذه المنطقة، لكنه يفضل البقاء بها لسهولة الاتصال بالدوائر المحيطة به، مثل تجار المخدرات أو الألعاب النارية وخلافه.
هذا النمط من العشوائيات يجب إزالته، ولا يسمح ببقائه أو امتداده، وحين يُنقل السكان إلى منازل عصرية أكثر تخطيطا، يجب الحد من أية محاولة لفرض النمط العشوائى فيها، وهو تحد يواجه الحكومة، ليس فقط فى بناء المساكن، ولكن أيضا فى الحفاظ عليها من التدهور.
وهناك سكان فى أحياء تطورت عشوائيا، يختارون الإقامة بها لأسباب اجتماعية ونفسية، والدليل على ذلك أن فى بعض الأحيان ترتفع أسعار العقارات فى المناطق العشوائية بشكل يفوق مثيلاتها فى المدن الجديدة أو الأحياء المخططة. من بين هؤلاء القادمون من الصعيد أو وجه بحرى، ويأنسون للعزوة مع أقاربهم أو معارفهم أو القادمين من نفس المحافظة وأحيانا نفس المركز. وإذا خيرتهم بين الإقامة فى مناطق عشوائية أو مجتمعات عمرانية مخططة سوف يختارون البقاء فى منازلهم، يستشعرون دفء العلاقات الاجتماعية المستمدة من ثقافتهم، والتى لا يجدونها فى أماكن أخرى.
هذه المناطق ينبغى أن تتطور، ويشارك أهلها فى تحمل نفقات تطويرها، والمشاركة ليست مادية أو مالية فقط، لكنها فى المقام الأول تعبر عن جهود شعبية للتطوير، حدث ذلك فى بلاد عديدة من بينها البرازيل مثلا، وأظن أن الحكومة تحتاج إلى تفعيل المشاركة الشعبية التطوعية فى هذا الخصوص، وهو ما يستلزم وجود نظام محلى منتخب، يساعد على تعبئة الموارد، ويقدم نماذج لتطوير الأحياء والمناطق المختلفة.