أيام الحر.. والحزن الإيكولوجى
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 8 سبتمبر 2023 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
حينما انطلقت منذ سنوات قليلة التحذيرات من أثر تغيرات المناخ على الحياة فوق الكرة الأرضية تساءل الإنسان فى كل مكان عن جدية تلك المعلومات وهل بالفعل ستحمل كل تلك النذر بمشكلات لم يعرفها من قبل؟
عرف الإنسان بعضا من نوعيات تلك المشكلات التى أشارت منظمة الصحة العالمية فى تقرير حديث لها إلى أنها خلال العشرين عاما المقبلة ستتسبب فى حدوث ٢٥٠ ألف حالة وفاة إضافية فى كل عام، هذا إلى جانب ما تعلن عنه صحف العالم خلال اجتياح موجات الحر من وفيات خاصة بين كبار السن فى بلاد ساحلية مثل إيطاليا واليونان وغيرها من البلاد الأوروبية كل عام، أيضا كوارث اشتعال النيران فى مساحات شاسعة من الغابات، كان آخرها تلك التى بذلت كندا فيها جهودا وناشدت العالم المساعدة لإطفائها.
الجديد فى الأمر هو ما سجله العلم من آثار جديدة لتغيرات المناخ على صحة الإنسان النفسية. فى دراسة هامة أجرتها جامعة إمبريال كولدج البريطانية أشارت نتائجها الموثقة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية ومداهمة موجات الحر المتلاحقة للعالم والمرتبطة بتغيرات المناخ مرتبط بما لا يقبل الشك باضطرابات ومخاطر على صحة الإنسان النفسية إلى جانب تلك المخاطر المعروفة على صحته البدنية.
تصف الدراسة تلك المخاطر النفسية بأنها اضطرابات فى النوم وزيادة الإحساس بالتوتر والقلق والإحساس بالضغوط النفسية والعصبية، أيضا بعض التغيرات الفسيولوجية فى تدفق الدم وتغير لزوجته فى الشرايين، أيضا مستويات هورمون السيرتونين فى الدماغ والذى يعد مفتاح اعتدال المزاج والشعور بالراحة والسعادة مضادا لمشاعر الاكتئاب والكآبة.
إذن أصبح الحر ضاغطا نفسيا جديدا وعاملا هاما من عوامل الضغوط العصبية التى تداهم الإنسان دونما مقدمات أو استئذان من خارجه فلا يملك لها دفعا أو قوة لمقاومتها إيجابيا.
فى ظل ارتفاع درجة حرارة الجو يواجه الإنسان حربا يجهل بالفعل كيفية التعامل معها: مع وقائع الحياة اليومية وخروج الإنسان للعمل يوميا الأمر الذى يضطره للحركة دائما وبوسائل مختلفة يزداد بلاشك إحساسه بالمعاناة. مع الزحام وفى وسائل المواصلات يزداد شعور الإنسان بالغضب وتزداد حساسيته لهفوات الآخرين ويرتفع لديه الإحساس بالتوتر الأمر الذى يؤدى لإفراز هورمون الأدرينالين أو هورمون العصبية والتوتر فيضطرب الإنسان ويصبح مهيأ تماما للاضطرابات العصبية المختلفة عند أقل استثارة. تزداد احتمالات التعرق الذى يؤدى إلى فقد الأملاح من الجسم واختلال تركيب الدم الأمر الذى يصل أثره إلى المخ فتختل قدراته.
يختلف أثر ارتفاع درجات الحرارة على الإنسان من ضربة الشمس المباشرة إلى حالات الاحتباس الحرارى الخطيرة التى قد تؤدى بالفعل إلى الجفاف والغيبوبة أحيانا والوفاة.
يتحدث الآن أطباء النفس عن زيادة مرتادى عياداتهم النفسية خلال الصيف وعن تعبير جديد مستحدث عن شعور ينتاب البشر نتيجة اضطرابات الصحة النفسية خلال نوبات الحر القاسية التى بالفعل ينحسر نتيجة لها إفراز هورمون السعادة أو السيرتونين الناقل العصبى المسئول عن الحالة المزاجية للإنسان فتضعف قدرات الإنسان على الإحساس بالسعادة إضافة إلى ما يشعر به من توتر وقلق فتتملكه الكآبة ويتسلل إلى نفسه الاكتئاب. الحزن الإيكولوجى هو التعبير الجديد الذى أضيف حديثا إلى قاموس الصحة النفسية، والذى يصف به العلم حال الإنسان الذى استهدفته تغييرات المناخ لتجعله ضحية ضغط عصبى من نوع جديد، إضافة إلى ما يعانى منه منذ بدء الخليقة.
أظننى قد مررت بالفعل بتلك المتلازمة النفسية حينما أصبحنا يوما فى معهد القلب القومى، لنفاجأ بمن اغتال تلك الأشجار السامقة التى سبقتنا إلى المكان وساهمت فى تعميره لسنوات طويلة وكانت شاهدا علينا وكنا لها محبين، معترفين بفضلها فى تلطيف الجو وإضفاء ظل وارف على المكان.
لحديث الحر بقية إن شاء الله..