«وعود الرخاء المضروبة»
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى مايو 2011 وبعد أسابيع قليلة من نجاح ثورتى مصر وتونس تعهد قادة الدول الثمانية الغنية «G8» بتقديم ما بين عشرين إلى أربعين مليار دولار للبلدين.
فى هذه القمة التى عقدت فى منتجع دوفيل شمال فرنسا التقط عصام شرف الصور الباسمة مع أوباما وساركوزى وكبار قادة الدول الأكثر غنى.
عاد شرف وغرقنا فى الأحلام الوردية بأن أنهار المن والسلوى ستتدفق علينا، خصوصا أننا سمعنا عن وعود محددة بالمليارات على شكل منح وقروض وودائع فى البنك المركزى.
الوعود ثبت أنها سراب باستثناء نصف مليار دولار وضعتها السعودية وديعة فى «المركزى» ومثلها قطر.
العاقل هو من يتعلم ولا يكرر نفس الخطأ. ويبدو أننا لم نتعلم من الدرس، هذه الأيام نشهد محاولة أخرى لإغراق الناس فى بحور العسل.
وسائل الإعلام خصوصا الحكومية بدأت تشارك فى عملية تضليل واسعة النطاق للبسطاء.
من لا يصدق ذلك عليه بمطالعة الصفحات الأولى من الصحف المصرية منذ زيارة الرئيس محمد مرسى للصين وحتى زيارته لتركيا قبل أيام.
الذى يحدث أن إدارة وحكومة مرسى وعندما تجتمع مع وفود أجنبية فإنها تعرض عليها مشروعات استثمارية بمبالغ ضخمة والطرف الأجنبى يستمع ويبتسم ويعد بالدراسة، وبالطبع لا يوجد مستثمر عاقل سواء كان فردا أو شركة أو دولة سيرد فورا بالقبول. بعض السذج يعتقد أن الرئيس أو المسئول الأجنبى عندما يلتقى مرسى يحتضنه بشوق ثم يخرج محفظته ويكتب شيكا بالمليارات دليلا على حبه لمصر وللإخوان!
عندما زار مرسى بكين قالت الصحف إن الصين سوف تستثمر خمسة مليارات دولار وما حدث هو مجرد عرض وليس اتفاقا، ثم قرأنا أن السعودية ستستثمر 8.5 مليار دولار ،وأن تركيا ستدعم مصر بحزمة قدرها 2 مليار دولار.
وما بين الصين وتركيا قرأنا تصريحات عن استثمارات أوروبية كثيرة عقب الزيارات التى قام بها المسئولون للقاهرة أخيرا.
يضاف إلى ذلك بحور الأوهام التى حاول الإعلام إغراقنا فيها عقب زيارة الوفد الاقتصادى الأمريكى الكبير.
وللتوضيح فالزيارة الامريكية مهمة جدا ودلالاتها متعددة لكن بعضنا يحاول تصوير الأمر وكأن بنك الاحتياط الفيدرالى الأمريكى سيرسل لنا تريليونات الدولارات عبر الفاكس! ونعلم أن الآمال من هذه الزيارة تلاشت مؤقتا بفعل اقتحام السفارة الامريكية يوم 11 سبتمبر.
كان لافتا للنظر الانتقاد المهذب الذى وجهه الاقتصادى الإخوانى الكبير حسن مالك لوفد رجال الأعمال الأمريكيين حينما قال وقتها: «لم تقدموا حتى الآن ما نتوقعه منكم بشأن الاستثمارات الفعلية».
كلام مالك مهم لأنه يعكس الحقيقة على الأرض وليس التمنيات الموجودة فى القلوب.
ليس متصورا أن يأتى الأمريكيون باستثماراتهم فورا، الطبيعى أنهم جاءوا للاستطلاع والدراسة ثم اتخاذ القرار.
هم يريدون الاطمئنان أولا حول مستقبل البلد السياسى وعن القوانين التى تحكم الاستثمارات وكيفية فض المنازعات وحقوق العمال.
لا يوجد رجل أعمال عاقل يقبل استثمار أمواله فى بيئة مضروبة.
يمكن تفهم محاولة الإعلام الحكومى الجديد فى إشاعة روح من التفاؤل لدى المواطنين وأن «عجلة الإنتاج» قد انطلقت وأن العالم كله يتمنى الاستثمار عندنا.
الذى سيتخذ قرار الاستثمار عندنا، عربيا كان أم أجنبيا مسلما أم بوذيا، لن يفعل ذلك من أجل خاطر عيوننا، أو حبا فى تقوى وورع الدكتور مرسى، بل من أجل مصلحته الخاصة، تلك هى الحقيقة المجردة.
نناشد حكومتنا وإعلامنا ألا يساهموا فى إغراق الشعب المسكين فى بالوعة الوعود البراقة بأن الرخاء سيجىء الآن! لأن ذلك للأسف لن يحدث الآن أو غدا، ربما بعد غد!