الشيخ إمام ما زال يغنى
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
حين مات الشيخ إمام نشرت جريدة الاهرام نعيا مدفوعا من بعض كبار المثقفين والشخصيات العامة وصفوا الراحل فيه بـ(فنان الشعب) ما دفع احد كبار الصحفيين لكتابة مقال مطول تساءل فيه: اذا كان الراحل فنان الشعب فلماذا لم يعرفه الشعب؟ وتعددت الاجابات التى حاولت اختصار تجربة امام فى الغناء الاحتجاجى استنادا على ما قدمه من اغنيات مع الشاعر الراحل احمد فؤاد نجم وشعراء اخرين ابرزهم فؤاد قاعود ونجيب شهاب الدين ونجيب سرور وزين العابدين فؤاد.
وقبل ذلك بسنوات شغلت التجربة مثقفين وفلاسفة مثل فؤاد زكريا ولطفى الخولى ورجاء النقاش وحسن حنفى وغالى شكرى،
وكتب موسيقيون ونقاد الكثير من المقالات التى تطرفت فى الحماس للتجربة أو فى استبعادها لأسباب تم الزعم بانها فنية إلى ان جاءت ثورة ٢٥ يناير وجعلت تجربة امام وغيره من تجارب الغناء البديل فى الواجهة وتمت استعادة أغنياته بطرق وصيغ مختلفة من فرق (الاندر جراوند).
وعلى كثرة ما كتب عن الشيخ امام بقى السؤال عن سيرة الشيخ وتجربته معلقا امام الاجيال الجديدة التى كانت بحاجة إلى لغة مختلفة تقرب التجربة وتضعها فى سياقها سواء على صعيد الفن أو على صعيد الصِّلة بالنضال السياسى والاجتماعى وهى مهمة تفرغت لها اقلام كثيرة فى طليعتها الكاتبة الكبيرة صافى ناز كاظم التى تعاملت مع المسألة بوصفها قضية (عمر) وظلت من حين إلى آخر تلح على إنصاف نجم وإمام حفاظا على الذاكرة الوطنية، بأمل تحريرهما من مختلف صور الاستغلال التى تعرضا لها عبر مشوارهما معا.
والحاصل ان ظاهرة نجم وامام لم تنشأ من فراغ وإنما جاءت استجابة لظرف موضوعى تظهره بأمانة كبيرة الحلقات الوثائقية التى باشرت قناة الغد الوثائقية إذاعتها وهى من اخراج مروان حاتم وإنتاج شريف المغازى.
ولعل اهم ما فى هذه الحلقات ان من وقف خلف اعدادها الدكتور عصمت النمر احد الذين رافقوا امام ونجم وكانوا جزءا من طوفان كبير من المريدين لكن ما يميز عصمت عن الرفاق الآخرين كونه من أوائل الذين اعتنوا بتوثيق التجربة عبر وسائط مختلفة وساعد على ذلك انه من كبار العارفين بتراث الموسيقى العربية بالاضافة إلى انخراطه المبكر فى عمليات الحفظ والأرشفة الالكترونية كما انه بالاضافة إلى ذلك طرف اصيل فى التجربة بحكم انتمائه النضالى لتجربة جيل السبعينيات وساهم هذه الانتماء اولا فى دعم الفيلم بوجوه فاعلة فى هذه التجربة السياسية والإنسانية حيث ظهر فى الحلقات زين العابدين فواد وأحمد بهاء الدين شعبان وشوقى الكردى وآخرون، دللوا على ان تجربة امام ما كان لها ان تبلغ ما بلغته بمعزل عن الظروف السياسية التى مرت بها بعد نكسة ٦٧، بالاضافة إلى قيمتها الفنية.
ومن جوانب الاصالة التى ميزت حلقات (إمام) استناد مخرجها مروان حاتم على ذاكرة شخصية تتعلق ببيت (الموجى) فى الغورية وصاحبه سعد الموجى (والد الكاتبة سحر الموجى وجد المخرج) الذى كان مجاورا لسكن الشيخ امام فى حوش آدم وساعد بوعيه الفارق فى احتضان التجربة والحفاظ عليها ووضع أفرادها على الطريق الصحيح مثله مثل المناضل سيف الغزالى لكن الجوار جعله صاحب الدور الأبرز.
وظهرت سحر الموجى وعمها فى الحلقات وتبادلا الحكايات التى وضعت الحلقات فى مسار شجى حررها من الطابع الوثائقى الذى اعتدنا ان يأتى جافا بينما جاءت الحلقات بندى تلك (الايام الوردية) المغلفة بالحنين وأجمل من ذلك كله ان بث الحلقات تزامن وغليان اخر فى الشارع المصرى استدعى مجددا صوت امام وأغنياته ما يعنى انه لا يزال يغنى.