خمسة مشاهد أمريكية منذ 25 يناير

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 8 نوفمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

يثير كل حدث وتطور سياسى تشهده مصر منذ بدء ثورة 25 يناير أسئلة عديدة حول الدور الأمريكى، ويمكن من خلال خمسة مشاهد عرض طبيعة هذا الدور المثير للجدل منذ نزول ملايين المصريين للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. من هنا وجب أن تكون المواقف العملية وليست التصريحات الاستهلاكية هى معيار الحكم على طبيعة الموقف الأمريكى مما جرى ويجرى فى مصر.

•••

المشهد الأول: اتبعت الإدارة الأمريكية مبدأ الانتظار والترقب قبل التسرع بإعلان موقف واضح من ثورة الشعب المصرى. وتطور الموقف الأمريكى ببطء وكرد فعل على تطورات الأوضاع داخل شوارع وميادين مصر. وعملت واشنطن على ضمان عدم إسقاط النظام المصرى كله، وقبلت، بل وشجعت صيغة Orderly Transition «انتقال منظم للسلطة» يسمح بتولى نائب الرئيس اللواء عمر سليمان زمام الأمور فى مصر، وعدم حدوث تغير حقيقى فى السياسات المصرية فى الملفات المهمة لواشنطن مثل العلاقات مع إسرائيل، والتعاون الأمنى والاستخباراتى، والموقف من تنظيم حماس وحزب الله والعلاقات مع إيران. وبعد اختيار الرئيس مبارك اللواء عمر سليمان نائبا له، رحبت واشنطن وبدأت اتصالات مكثفة بين نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن ونظيره المصرى للبحث فى «الانتقال المنضبط للسلطة»، وسعدت واشنطن لهذا المخرج الذى لم يكن ليغير فى علاقاتها بالحليف الاستراتيجى المصرى شيئا.

المشهد الثانى: قبل إعلان نتيجة المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية غضبت واشنطن على خطوة المجلس العسكرى إصدار إعلان دستورى مقلص لصلاحيات رئيس الجمهورية يوم 17 يونيو 2011، أى قبل أسبوعين فقط من تسليمه السلطة للرئيس المنتخب. ونص الإعلان على تولى المجلس العسكرى سلطة التشريع إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد بعد إصدار دستور جديد للبلاد. وحصن الإعلان أعضاء المجلس من العزل، ومنحهم حق تقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة، إلى حين إصدار دستور جديد.

ورأت واشنطن أن مثل هذا الإعلان يقلص من صلاحيات الرئيس المنتخب، وعبر كبار مسئولى الإدارة الأمريكية عن قلق حقيقى بشأن تحركات المجلس العسكرى لتشديد قبضته على السلطة بمصر. وذكرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند أن فشل المجلس العسكرى فى تسليم السلطة للسلطة المدنية المنتخبة ديمقراطيا سيدفعنا لإجراء مراجعة للعلاقة بين البلدين، وأضافت أن بلادها تأمل أن يفى الجنرالات الذين لا يزالون يديرون شئون مصر بما قدموه من تعهدات للشعب المصرى.

المشهد الثالث: خلال رده على سؤال من محطة تليفزيونية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية خلال شهر أكتوبر 2012 حول إن كان يعتقد أن نظام الرئيس محمد مرسى حليفا لواشنطن، أكد الرئيس الأمريكى أنه يعتقد أن «النظام المصرى الجديد ليس حليفا للولايات المتحدة وليس عدوا لها فى الوقت نفسه». وأشار أوباما إلى أن بعض مواقف النظام الجديد كانت جيدة، وبعضها لم يكن بالضرورة يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة». ثم ذكر أوباما فى المناظرة الرئاسية الاخيرة يوم 23 أكتوبر من نفس العام أن التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطا أحمر للولايات المتحدة، وأى اهتزاز لمعاهدة السلام يضع أمن إسرائيل وأمن الولايات المتحدة على المحك.

المشهد الرابع: اعترف الرئيس أوباما خلال حواره مع شبكة سى إن إن يوم 23 أغسطس الماضى أن المساعدات لمصر لن تغير ما قامت وتقوم به الحكومة المؤقتة. وطالب أوباما بتوخى الحذر مع مصر كى لا تبدو واشنطن كأنها تساعد على تصرفات تتعارض مع قيمها. وكان أهم ما ذكره أوباما قوله إن العلاقات الأمريكية مع مصر لن تعود إلى ما كانت عليه بسبب ما حدث (فى إشارة لمقتل مئات المدنيين فى فض اعتصامات ميدانى رابعة العدوية والنهضة). وطالب أوباما بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة. وقبل ذلك أمر أوباما بإلغاء مناورات النجم الساطع، واتخذ بعض الخطوات العقابية مثل وقف توريد أربع طائرات إف 16، ووقف تزويد الجيش المصرى بـ 12 طائرة أباتشى جديدة. وفى التاسع من أكتوبر أعلنت الخارجية الأمريكية وقف تسليم بعض الأسلحة والمساعدات النقدية للحكومة فى انتظار تحقيق تقدم موثوق نحو قيام حكومة مدنية شاملة منتخبة ديمقراطيا.

المشهد الخامس: خلال زيارته للقاهرة يوم الأحد الماضى، أعاد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى التأكيد على أن هناك مؤشرات على أن قادة الجيش المصرى مستعدون لإرساء الديمقراطية. وأن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن مصر تتحرك لتحقيق خارطة الطريق الديمقراطية ويجب أن يساعد الجميع على تحقيق ذلك. وأكد على التزام واشنطن بالمساعدة ومواصلة التعاون مع الحكومة المؤقتة داعيا إلى انتخابات حرة وعادلة وتشمل الجميع. وأيد كيرى خطوات الحكومة المؤقتة لإعادة الديمقراطية فى مصر، قائلا إن «خارطة الطريق يتم تنفيذها بشكل جيد بحسب ما نراه.. وإننا نؤيدكم فى هذا التحول الهائل الذى تمر به مصر ونحن نعرف أنه صعب ونريد المساعدة ونحن مستعدون لذلك». وأضاف أنه بحث القرارات الأخيرة المتعلقة بالمساعدات لمصر، واتفق مع نظيره المصرى على أن «العلاقة المصرية - الأمريكية لا تعرف فقط من خلال المساعدات، وأن هناك أمورا أخرى تحدد العلاقة».

•••

واقعية واشنطن وسعيها لتحقيق مصالحها يجعلها تحتفظ بعلاقات قوية مع من يحكم مصر، فهى تعاملت مع الديكتاتور مبارك ومع المجلس العسكرى ثم مع الرئيس مرسى الإسلامى بطرق لم تتغير فى جوهرها. واليوم ستتعامل واشنطن مع من يؤول إليه حكم مصر حتى لو كان عسكريا مادام يخدم مصالحها الاستراتيجية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved