مستشارة الأمن القومى .. تساؤلات ضرورية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 8 نوفمبر 2014 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

لأربعة عقود متصلة ظل اسم «حافظ إسماعيل» عنوانا وحيدا على منصب مستشار الأمن القومى فى مصر.

لم يسبقه أحد ولا لحقه آخر إلى هذا المنصب حتى أسند إلى «فايزة أبوالنجا».

فى الاستثناء الطويل تساؤل عن طبيعة الأدوار التى لعبها بجوار الرئيس الأسبق «أنور السادات» قبل وبعد حرب أكتوبر، وتساؤل آخر عن حقيقة الأسباب التى دعت خلفه «حسنى مبارك» إلى استبعاد الفكرة كلها.

بحسب الوثائق المتوافرة فإن «حافظ إسماعيل» أدار جانبا من الاتصالات السرية فى لحظة صدام السلاح وتبادل خطابات بالغة التأثير فى مجريات الحرب مع «هنرى كيسنجر»، أبرز من تولى منصبى «مستشار الأمن القومى» و«وزير الخارجية» فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.

اكتسب «كيسنجر» نفوذه بأثر رؤيته للعلاقات الدولية وإدارة المصالح الاستراتيجية العليا لبلاده.

قوة الأفكار والرؤى استدعته إلى قلب صناعة القرار الأمريكى على عهد الرئيس «ريتشارد نيكسون».

فى لحظة ترنح «نيكسون» تحت وطأة فضيحة «ووترجيت»، تعززت مكانة «كيسنجر» وتصاعد دوره بعد إطاحة الرئيس.

القضية ليست أن توافق أو لا توافق على آراء «كيسنجر»، فقد أهدرت بطولة السلاح فى سيناء وأفضت إلى تسوية مجحفة قوضت الدور المصرى فى محيطه، بقدر أن تكون متأكدا أن لعب الأدوار المؤثرة فى مسائل الأمن القومى تتطلب مواصفات فى الكفاءة ورؤى فى السياسة.

خرج الثعلب الأمريكى من الحقل الأكاديمى، ورغم أنه لم يكن أول مستشار أمن قومى إلا أنه أضفى على المنصب مهابة ونفوذا لم يكن له من قبل.

فى السنوات التى أعقبت الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى معسكرين متناقضين أيديولوجيا واقتصاديا واستراتيجيا أحدهما تقوده الولايات المتحدة والآخر يتزعمه الاتحاد السوفيتى.

على الحافة بين الصدام والتعايش بين المعسكرين تبلورت مفاهيم جديدة للأمن القومى أكثر اتساعا من أن تكون محض عسكرية وظهرت حاجة ماسة فى الإدارات الأمريكية لبناء مؤسسة جديدة تعتنى بالملف وأزماته يترأسها الرئيس بنفسه وتضم فيمن تضم نائبه ووزيرى «الخارجية» و«الدفاع» ورئيس الاستخبارات ويتولى التنسيق بينها مستشار للأمن القومى.

بالتعريف فالمستشار منسق فوق العادة بين كل ما يدخل فى دائرة اختصاصه.

بالتجربة فهو صانع سياسات ولاعب لا يمكن تجاهله.

ولم يكن ذلك هو حال مستشار الأمن القومى المصرى الوحيد.

استلهم «السادات» التجربة الأمريكية فى أن يكون له مستشار للأمن القومى، شأن سيد البيت الأبيض لكنه لم يوفر له مؤسسة ذات صلاحيات منضبطة فى إدارة المصالح المصرية الاستراتيجية العليا.

كان الأمر من أوله لآخره أقرب إلى الثقة الشخصية فيما يبديه مستشاره من آراء أو فيما يكلف من مهام.

ورغم وجود مجلس للأمن القومى ينظر من وقت لآخر فى المسائل المتصلة بالحرب والسلام إلا أنه لم تعهد لـ«حافظ إسماعيل» أية أدوار تنسق بين المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والخارجية ولا عهدت لمعاونيه أية مهام فى بناء التصورات الاستراتيجية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.

ولم يكن «مبارك» يضع قضية الأمن القومى على رأس أولوياته، فقد آلت إليه السلطة بعد أن سكتت المدافع على الجبهة ووقعت معاهدة سلام مع إسرائيل وبدت أمامه العلاقات الإقليمية والدولية على صورة لا تستدعى قلقا، فالتحالف مع أمريكا استراتيجى والحدود الشرقية مع إسرائيل ساكنة ولا شىء يقلق جنوبا مع السودان أو غربا مع ليبيا باستثناء توترات سياسية تظهر وتختفى.

كان مفهومه للأمن القومى قاصرا على ما هو عسكرى وأفضت سياساته إلى شبه قطيعة مع القارة الأفريقية وشبه تصدع مع محيطه العربى. وهذه مسائل أمن قومى على درجة عالية من الخطورة دفعنا أثمانا باهظة للاستهتار بها.

بصورة ما لعب مستشاره السياسى الدكتور «أسامة الباز» شيئا من الدور الذى يتطلب أن يكون هناك مستشار للأمن القومى، اجتهد بقدر ما يستطيع مع رئيس لا يطيق أن يستمع طويلا إلى تحليلات سياسية مسهبة أو تقديرات موقف لتعقيدات إقليمية ودولية تدخل فى صلب إدارة المصالح الاستراتيجية العليا ودرء أية أخطار محتملة.

فى هذه اللحظة أمام انكشاف استراتيجى على الحدود كلها وفى الإقليم بأسره وأزمة مياه مع إثيوبيا يصعب اختراقها فى مدى منظور فإن هناك ضرورات تقتضى أن يكون هناك مستشار لرئيس الجمهورية يعتنى بالملف وينسق بين أطرافه، يبنى الرؤى ويدافع عن المصالح العليا التى هى أوسع مدى من أن تكون عسكرية وأمنية.

غير أن التساؤلات تلاحق الضرورات وعلامات التعجب تسابق علامات الاستفهام:

لماذا «فايزة أبوالنجا»؟

هل تناسب خبرتها منصبا لم يعهد عنها العناية بملفاته باستثناء ما يدخل فى مهامها الوظيفية المباشرة؟

حسب شهادات مجايليها فى الخارجية المصرية فإنها سفيرة على درجة عالية من الكفاءة تتمتع بالشجاعة الشخصية فى إبداء آرائها ورغم صلتها القوية بأمين عام الأمم المتحدة الأسبق «بطرس غالى»، حيث عملت مديرة لمكتبه فى نيويورك، إلا أنها تصادمت مع ابن شقيقه «يوسف غالى» عندما كانت سفيرة لمصر فى المقر الأوروبى فى جنيف بشأن اتفاقية دولية.

كسبت الجولة وصعدت بعدها إلى وزارة التعاون الدولى وأثبتت نجاحها فى مهمتها.

غير أن ذلك كله شىء وإسناد مهمة الأمن القومى إليها شىء آخر تماما تراوحت ردات فعله بين الاستغراب والصدمة.

من حيث الشكل العام كان اختيار «أبو النجا» خروجا من الصندوق المعتاد، فهى سيدة تتولى منصبا ينظر إليه بقوة الواقع على أنه شأن عسكرى محض يتولاه أحد أبناء المؤسسة لا شخصية مدنية، أيا كانت درجة قربها. هذه إيجابية مؤكدة بشرط توافر متطلبات المنصب الحساس وأن تثبت جدارتها بتوليه.

بحسب مقربيها فإنها «سوف تتعلم بسرعة وتتقن عملها»، غير أن ذلك رهان على مجهول، والأمن القومى مسألة رؤى لا موضوع تجريب.

الخروج الحقيقى من الصندوق يعنى بالضبط أن تكون هناك مؤسسة على درجة من الانضباط والأهلية وصلاحياتها معروفة تضم خبرات متنوعة فى مجالات الأمن القومى تدرس وتقترح ويؤخذ ما تدرسه وتقترحه على محمل الجد لا أن توضع الأوراق فى أرشيفها ويكون المنصب مفرغا من أية مهام جدية بينما تقوم جهات أخرى بالمهمة على الوجه القديم المعتاد.

إن لم يكن لديها سلطة التنسيق بين الوزارات والجهات السيادية فإن طبيعة مهمتها تتقوض قبل أن تبدأ.

ثم إن هناك مشكلة أخرى فى تداخل الصلاحيات مع مستشار الشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب اللواء «أحمد جمال الدين».

أين تتوقف صلاحيات أحدهما وتبدأ صلاحيات الآخر؟

وما احتمالات الصدام بين مستشارة الأمن القومى ووزارتى الخارجية والتعاون الدولى عند اختلاف التقديرات واحتمالات صدامات أخرى بين مستشار الشئون الأمنية، وهو وزير داخلية سابق وكفء، ووزير الداخلية الحالى؟

فى غياب القواعد فالصدامات شبه مؤكدة واللافت فى الأمر كله أن الدستور لا ينظم شيئا فى مثل هذه الوظائف الحساسة.

الأكثر خطورة أن الأمنى سبق السياسى فى أول قرارات بناء مؤسسة الرئاسة.

لا أمن بلا سياسة ولا استراتيجية لمكافحة الإرهاب بوسعها أن تخترق وتحاصر دون أن تكون واقفة على أرض صلبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved