وأخيرا اتخذت الحكومة القرارات الصعبة والمؤلمة والموجعة وعومت الجنيه ورفعت أسعار الوقود، وفرضت ضريبة القيمة المضافة.
إذا كانت الحكومة حققت ما أرادت، وتحمل الشعب أو غالبية المواطنين، الأمر طائعا أو مكرها، فالسؤال الجوهرى هو: هل ستتمكن هذه الحكومة أو الأجهزة المنوط بها تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والعبور بالبلد إلى بر الأمان من عنق الزجاجة الصعب الذى انحشرنا فيه؟!
بالطبع كل عاقل وسوى ووطنى يتمنى أن تنجح الحكومة، لأن فشلها لا قدر الله سيدفع ثمنه الجميع.
لكن دعونا نفكر بعقلانية وهدوء ونسأل: هل الطريقة التى تم بها إدارة الأمور فى الشهور الأخيرة ستنفع فى التعامل مع المستقبل؟!
أكاد «أبصم بالعشرة» أن الطريقة القديمة خصوصا فى ملف الدولار والجنيه لن تفلح، حتى لا نجد أنفسنا «لابسين فى الحيط» لا قدر الله. وبالتالى أتمنى أن تكون رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وسائر الأجهزة ذات الصلة، قد استوعبت تجربة الشهور الأخيرة المريرة فى إدارة الملف الاقتصادى.
المجتمع بأكمله دفع ثمنا باهظا فى الشهور الأخيرة، حينما تركنا الدولار يصل إلى ١٨ جنيها، من دون أن نكون قد حررناه جزئيا أو كليا، وذهبت أموال كثيرة إلى جيوب المضاربين واللصوص وخسر كثير من المواطنين ثرواتهم أو جزء منها بسبب اهتزازات وتقلبات سعر الجنيه مقابل الدولار.
سيقول البعض إن ما حدث قد حدث وصار من الماضى، وبالتالى علينا أن ننظر للمستقبل. حسنا لنفعل ذلك، لكن شرط ألا نكرر ما حدث فى الماضى ونعيد استنساخه.
هناك ما يشبه اليقين بأن أخطر مشكلة تعانى منها مصر الآن هى غياب الكفاءات فى معظم المجالات أو لنكن أكثر دقة عدم القدرة على الوصول لهذه الكفاءات.
ظنى الشخصى أنه من دون القدرة على بناء فريق قيادى حقيقى فى سائر المؤسسات والهيئات يتمتع بالكفاءة والإبداع والقدرة على الخيال، فإن المستقبل سيكون صعبا.
أسوأ سيناريو كابوسى يمكن تخيله أن نحصل على قرض الصندوق ثم الحزمة التمويلية من الدول الشقيقة والصديقة وهى قروض أيضا أو ودائع فى البنك المركزى، ثم نهدر كل ذلك، بسبب عدم وجود برنامج حقيقى، أو عدم وجود تصور لتنفيذه على أرض الواقع.
أى منصف يدرك أن المشكلة الاقتصادية فى مصر معقدة ونتيجة تراكم سنوات كثيرة، وبالتالى فإن علاجها يحتاج أمهر الأطباء والجراحين المتخصصين فى كل علوم المجتمع كى تنجح العملية، ويمكن إنقاذ المريض والأم والمستشفى معا!
أتمنى أن تنبه كل الأجهزة المختصة إلى هذه النقطة وهى ضمان وجود شخص متخصص وكفء ومبدع وضميره حى، على رأس كل مؤسسة أو هيئة فى البلد، خصوصا ذات الصلة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى.
هذا الموضوع يحتاج بذل كل الجهد لضمان وجود الرجل المناسب فى المكان المناسب. صرنا نحتاج أهل الخبرة أولا وأخيرا وقبل كل شىء. جربنا الكثير بما فيه الكفاية. الدولة وقفت على قدميها وتحتاج إلى الخروج من هذا «المأزق الوجودى» حتى يمكنها الانطلاق. ولأن المشكلات صعبة ومتلتلة، فهى تحتاج إلى عقول جبارة وفاهمة ومتخصصة.
كفى اعتمادا على الموظفين فى المناصب القيادية. نريد عقليات جديدة قادرة على الابتكار والإبداع، وتقديم حلول خلاقة لهذه الأزمات غير المسبوقة.
البشر الأكفاء هم الأساس لنجاح أى مشروع. من دون ذلك، فللأسف ستظل الأمور «محلك سر» والأخطر أنها ربما تعود للخلف.
النجاح يحتاج جهودا جبارة ولا يكفى فقط توافر النوايا الحسنة ودعوات الوالدين والتوفيق بل كل ذلك مضافا إليه ما يشبه المعجزة.