الأطفال لا يكذبون


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

 كلما تذكرت المرأة التى جاءتنى تشكو من طفلتها التى اعتادت الكذب يصيبنى الإعياء من الضحك على الهم، جاءت تلك المرأة لتخبرنى أن طفلتها البالغة من العمر اثنى عشر عاما تكذب باستمرار، وأنهم استخدموا معها كل الوسائل الممكنة، وعندما طلبت منها أن تحكى لى عن هذه الوسائل، أخبرتنى أن أباها ربطها فى السرير ليومين متتاليين وأن أصوات استغاثتها بالجيران هى التى أنقذتها من تحت يديه وأنه حرمها من استكمال التعليم، وحكت لى بعض الفظائع والجرائم الأخرى التى ارتكبت فى حق هذه الطفلة.

قلت إن أهون ما يمكن أن تفعله هذه الطفلة هو أن تكذب لتتجنب العقاب، دوما عندما تأتى شكوى تتحدث عن كذب الأطفال أحاول أن أدرس سياق الموقف، والسياق الثقافى المحيط بالطفل، فى الحقيقة دراسة السياق الثقافى والاجتماعى للطفل هو أمر ضرورى فى كل المشكلات النفسية التى يمر بها الأطفال.

السؤال الآن هو لماذا يكذب الأطفال؟ الأطفال ليسوا كائنات شريرة بطبعها، هم يكذبون إما لتجنب العقاب أو لاختلاق بطولة مفتقدة أو عالم غير واقعى يسدد احتياج نفسى ما. فيمكنك أن تستمع إلى طفلك وهو يحكى لك عن كيفية تصفيق الفصل له عندما أجاب مسألة حسابية لم يعرفها أحد غيره، وأنت تعرف جيدا قدرات طفلك فى الحساب، لا تحاول فى هذا الوقت أن تفند ما قاله وتكشف له أنك استطعت أن تعرف كذبته.

فى هذا الوقت هو يعلن عن احتياج التفوق فى الحساب، يريد أن يشعر بأنه متفوق فى شىء، حاول أن تسدد له الاحتياجات المفتقدة، ساعده بشكل مختلف فى فهم مادة الحساب، بشكل يستوعبه عقله ويستسيغه.

أتذكر أيضا أُمَّا جاءت تشكو لى من ابنتها التى تختلق حكايات كثيرة توقع فيها بين والدها ووالدتها المنفصلين، وحدثت الكثير من المشكلات بينهما بسبب ذلك، والطفلة كانت تشعر بأنهما انفصلا فجأة دون أن يمهدا لها، كانت تراهما يصلحان للعيش معا وتتأسف على القطيعة التى حدثت بينهما، فكانت الأقاويل الكاذبة هى خطتها فى عودتهما لبعضهما البعض حتى ولو باختلاق مشكلات يمكنهما أن يناقشاها معا بدلا من تلك القطيعة.

القانون الأول هنا ألا تعلن للطفل أنك اكتشفت كذبه، لا تقل له أبدا أنت كذاب، الطفل يصدق ما نقوله له ويكتسبها كصورة عن نفسه، بالأمس كنت أستمع لقريبة لنا توبخ طفلها وتقول له بتكرار ممل «باين عليك مهمل، ومش هتفلح»، مثل هذه الكلمات توضح كحقائق أمام الطفل ويشعر أنه يتصف بها، فعندما توصم طفلا بالكذب سيكذب باستمرار.

ولا أقصد بذلك أيضا أن تتناسى كذبه وتشعر بالتصالح مع الفكرة، لكن حاول أن تفهم الاحتياج غير المسدد لكى يكذب عليك.

وفى بعض الأوقات يكون الكذب خيالا غير موجه لشىء، الطفل يمتلك موهبة خيالية فظيعة ويستغلها فى الكذب، أتذكر ونحن صغار كنت أمتلك مثل هذا الخيال، وكنت أوهم صديقة لى فى المدرسة بالعفاريت التى ستظهر لها فى حجرتها وكنت أستخدم كل مواهبى فى ذلك ومعرفتى المسبقة من حكاياتها عن شقتهم، والبنت عانت كثيرا بسببى إلى أن جاءت أمها إلى المدرسة لتشكو تلك الكاذبة الصغيرة، وأتذكر أن الكل وصمنى وقتها بالكاذبة، الأم وطفلتها والناظرة التى وبختنى كثيرا على كذبى.

أظن أن الأمر كان سيبدو مختلفا لو أن الناظرة تفهمت ذلك الخيال الخصب وطلبت منى أنا وصديقتى الخائفة الاشتراك فى كتابة قصة أو رسم ما يبدو لنا، ومحاولة مناقشته واقعيا، حتما كانت ستكتشف الصديقة زيف وجود العفاريت وسأفرغ أنا الطاقة فى تلك القصص والرسومات.

أظن أن الأمر بدا أكثر وضوحا لدينا، ففهم ودراسة سياق الطفل واحتياجاته سيضع أيدينا على فهم ما يقوله الأطفال وما يختلقونه من قصص. أطفالنا ليسوا بكاذبين، فقط هم يعلنون بطرق شتى عن احتياجاتهم متوقعين منا تسديد هذه الاحتياجات وليس معاقبتهم ووصمهم بالكذب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved