فلسطين وكيف نبنى على ما تحقق؟

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 8 ديسمبر 2012 - 8:32 ص بتوقيت القاهرة

لم يفلح التهديد أو الوعيد فى حمل السلطة الفلسطينية على الامتناع عن عرض مشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر الماضى من أجل منح فلسطين وضع دولة مراقب عضو بالمنظمة الدولية.

 

 

لم يقتنع أحد بالحجج الواهية التى ساقتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والتى ذرفت الدمع على عملية السلام، إن تمت الموافقة على القرار، لأن العملية متوقفة بالفعل منذ وقت طويل بسبب تخاذل الأولى واستقواء الثانية! جاءت نتيجة التصويت نصراً مؤزّراً للشعب الفلسطينى، وفشلاً مدوياً لكل من عاداه. حصل القرار على تأييد أكثر من ثلثى أعضاء الجمعية العامة. صوتت كل دول الاتحاد الأوروبى (فيما عدا جمهورية التشيك) فى صالح القرار أو امتنعت عن التصويت عليه. كان من بين الدول المؤيدة فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا واليونان وكل دول الشمال.

 

 

أيدت معظم دول أمريكا اللاتينية القرار، كذلك أيدته اليابان ومعظم الدول الآسيوية. أما الولايات المتحدة فقد قبلت أن تضع نفسها فى مصاف أربع جزر فى المحيط الهادى لا ناقة لها ولا جمل فى كل ما يحدث، بالإضافة بالطبع لإسرائيل وثلاث دول أخرى فقط، نجحت الولايات المتحدة فى التأثير عليها، وهى كندا وبنما والتشيك. جاءت ردود الأفعال فى أمريكا وأوروبا مدوية معتبرة نتيجة التصويت هزيمة كبرى للولايات المتحدة وفشلاً مهيناً لجهودها الدبلوماسية. وأهم من ذلك إبراز حقيقة وجود انقسام واضح بين الاتحاد الأوروبى ودول حلف الأطلنطى الأوروبية من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية أخرى. لم تنتظر إدارة أوباما طويلاً كى تتلقى رد الفعل الإسرائيلى فى شكل لطمة جديدة للرئيس الأمريكى بالرغم من وقوفه إلى جانب إسرائيل فى نيويورك ومن قبلهما فى غزة. أعلنت إسرائيل على الفور، متحدية مواقف الإدارة الأمريكية على مر العقود، عن بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة فى القدس الشرقية والضفة الغربية. وأخطر من ذلك الشروع فى تخطيط وإعداد منطقة متاخمة للقدس الشرقية لإقامة مستوطنات عليها، وبذلك تقوم بتقطيع أوصال الدولة الفلسطينية ووحدة أراضيها.

 

•••

 

يحلو للبعض الآن القول بأن القرار لن يغير من الواقع شيئاً، وأن الاحتلال باق على حاله، والتهويد يسير فى طريقه المرسوم. مثل ذلك القول يتجاهل حقائق عدة. لم تعد أراضى الضفة وغزة أراضى متنازع عليها كما تدعى إسرائيل، بل هى أرض محتلة لدولة فلسطينية، بكل ما يترتب على ذلك من آثار. أضف إلى ذلك أن القرار الجديد قد فتح الباب على مصراعيه أمام فلسطين للانضمام إلى المنظمات والوكالات الدولية المتخصصة والمحافل القانونية التى تُمكنّها من التصدى للممارسات الإسرائيلية، سواء تعلق الأمر بالاستيطان، أو معاملة الأسرى الفلسطينيين. غير أن أهم ما يقلق إسرائيل (وأمريكا بالتبعية للأسف) هو حق فلسطين فى الانضمام للمعاهدة الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية. سيكون فى استطاعة فلسطين الآن أن تلاحق مجرمى الحرب الإسرائيليين وهم كُثُر!

 

فى اليوم السابق على صدور قرار الأمم المتحدة، قامت اثنتان وخمسون شخصية أوروبية وأمريكية بتوجيه نداء إلى كل دول العالم يدعو إلى فرض مقاطعة عسكرية شاملة على إسرائيل على خلفية عدوانها الأخير على غزة، وما ارتكبته من جرائم فى حق المدنيين. ضمّت هذه الشخصيات عدداً من حائزى جوائز نوبل للسلام وأكاديميين وكُتّاب ودبلوماسيين. استنكر هؤلاء تلك «الحصانة» التى تتمتع بها إسرائيل حتى الآن وتجعلها بمنأى عن المساءلة، وطالبوا أن تتم معاملة إسرائيل نفس المعاملة التى عُوملت بها جنوب أفريقيا إبان فترة التفرقة العنصرية. إذن لن تتمتع إسرائيل بمثل هذه الحصانة بعد الآن، ولن يكون لها من عاصم يعصمها من العقاب.

 

وكذلك، وفى اعقاب إدانة عدد كبير من الدول الاوروبية لقرارات اسرائيل الاستيطانية الاخيرة، اعتبر عدد من محللى السياسة الخارجية الاسرائيلية أن ذلك يكشف من ناحية عن مدى انفصام اصحاب القرار فى اسرائيل عن العالم من حوله، ومن ناحية اخرى عن التدهور المتزايد فى العلاقات بين اسرائيل والدول الاوروبية.

 

•••

 

وكما تحقق للشعب الفلسطينى هذا الإنجاز السياسى والقانونى فى نيويورك، فقد تحقق له إنجاز ضخم آخر قبل ذلك بأيام قليلة. صمد شعب غزة صمود الأبطال فى مواجهة الهجمة الشرسة الإسرائيلية. لم ترهبه الغارات ولم تفت فيه عضده القنابل والصواريخ، بل استطاع بإمكانياته المحدودة أن يُدخل الخوف والرعب إلى نفوس الإسرائيليين أينما وُجِدُوا ومهما بَعُدت المسافات. حصل الشعب الفلسطينى فى غزة على دعم عربى وإقليمى غير مسبوق، ولم ينقطع سيل الزيارات من قِبل المسئولين إلى غزة، ولم تتوقف إمدادات المساعدات والمعونات. لم تستطع إسرائيل هذه المرة أن تعترض سفن الإغاثة فى عرض البحر وتقتل من تقتل أو تأسر من تأسر. كان فتح معبر رفح بشكل دائم أمام قوافل المساعدات هو أبلغ رد على إسرائيل وأعظم خرق لحصارها. كان الدور المصرى حاسماً سواء فى وصول المساعدات أو فى وقف العدوان. ربما للمرة الأولى تتعهد إسرائيل فى اتفاق التهدئة، الذى نجحت مصر فى تحقيقه، بالامتناع عن القيام بالأعمال العدائية ضد أراضى غزة، وفى بحرها، وفى مجالها الجوى، بما فى ذلك عمليات استهداف الأشخاص. كذلك نص الاتفاق على فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص ونقل البضائع، والامتناع عن وضع العراقيل أمام أهل غزة، أو استهداف السكان فى مناطق الحدود إذا كان كل ذلك قد تحقق للشعب الفلسطينى، فيا تُرى ماذا تحقق لإسرائيل؟ صفر كبير. فشل الثالوث الدموى المتغطرس، نيتنياهو وباراك وليبرمان، فى تحقيق أية أهداف أو مكاسب. لم يستطع هؤلاء القضاء على قدرات المقاومين فى غزة، كما لم يتمكنوا من النيل من عزيمة الشعب وتحديه للعدوان. لم يكن غريباً أن يعلن وزير الدفاع باراك عن عزمه اعتزال السياسة، فكان أول ضحايا هذه المغامرة الإسرائيلية الفاشلة. قال تعالى: «ولا يَحِيقُ المكرُ السيئُ إلا بأهله».

 

•••

 

إنجاز ثالث تحقق للشعب الفلسطينى، حتى وإن برز من وسط رُكام ما تهدم فى غزة، ومما تم تأسيسه فى نيويورك، وأعنى به ذلك التلاحم القوى بين الفلسطينيين فى كلٍ من الضفة وغزة. خرجت الجموع الشاجبة للعدوان فى كل مدن الضفة وفى القدس، كما ارتفعت أعلام فتح فى القطاع. لم يعد فى إمكان القيادات هنا أو هناك أن تؤجل إتمام المصالحة ولو ليوم واحد بعد الآن. كل ما يقال عن أن حماس قد حققت كسباً على حساب السلطة ليس إلا محاولة لتعميق الخلاف والحيلولة دون رأب الصدع. أيّدت حماس لجوء السلطة إلى الأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى يكفينا أن نحصى عدد المرات التى تحدث فيها الرئيس محمود عباس، من على منبر الأمم المتحدة، عن غزة وصمود أهلها فى وجه العدوان. خرج الشعب الفلسطينى كله ظافراً فى المواجهتين العسكرية والسياسية، كما أن المصالحة الفلسطينية قد باتت على الأبواب.

 

•••

 

أما وقد وقفت الدول الأوروبية مع الحق الفلسطينى، وإذا ما نحن صدّقنا أن الولايات المتحدة مُشفقة على عملية السلام، وحريصة عليها، فإن الوقت قد حان الآن، انطلاقاً من كل المعطيات السابقة، للبدء فى اتخاذ خطوات جدية نحو بدء مفاوضات تحت الإشراف المناسب، تستهدف التوصل إلى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، والتوصل إلى تسوية عادلة حددت معالمها القرارات والمبادرات العربية والدولية.

 

دعت جامعة الدول العربية فى اجتماعها الأخير يوم 17 نوفمبر الماضى إلى إعادة تقييم الموقف العربى إزاء مجريات عملية السلام. ولاشك أن المعطيات الجديدة للموقف، إنما تُشكل عناصر مهمة فى هذا التقييم، ومنطلقاً لأى تحرك مقبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved