نيلسون مانديلا أو المجد لمناضلى الحق والحرية!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 8 ديسمبر 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

لم يشهد القرن العشرو ن صعود نجم الكثير من السياسيين من ذوى القدرة على مخاطبة ضمير الإنسانية والدفاع عن مبادئها وقيمها العليا دون هوادة أو مساومة. تذكر كتب وحوليات القرن العشرين بطل النضال السلمى الهندى المهاتما غاندى، ومستشار الاعتذار عن الخطيئة التاريخية الألمانى فيلى براندت، ورمز الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأى الكاتب والرئيس التشيكى الأسبق فاسلاف هافل، وتذكر قبل هؤلاء ونفر آخر نيلسون مانديلا.

يجمع مانديلا بغاندى وبراندت وهافل ورودهم السياسة وساحاتها عبر محطات نضالية متنوعة واجهوا بها الظلم والشر والجرائم ضد الإنسانية التى جسدتها سلطة الاستعمار البريطانى فى الهند وماكينة النازى التدميرية فى ألمانيا ومنها إلى العالم والقبضة السوفييتية القمعية فى أوروبا الوسطى والشرقية ونظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا. أربعتهم لم يتورطوا فى حسابات السياسيين التقليديين، فلم يدفعهم طغيان سلطات ونظم الظلم التى واجهوها إلى قبول فتات الحرية أو التحايل على قيم الإنسانية والترويج لهما كحلول وسط واجبة التأييد، وأيقنوا بضمير إنسانى خالص أن طغيان الظلم مؤقت ومآله وإن طال الزوال.

أربعتهم ابتعدت عنهم شعوبهم حين تعالت أصوات مروجى الحلول الوسط أو بدت سلطات ونظم الظلم راسخة وطغيانها غير قابل للدحر، ثم كفاءتهم حين اكتشفت أنها تستطيع طلب الحرية والحق والمساواة ورفض الفتات والتحايل وأنها تستطيع فرض التغيير وإنهاء صفحات الماضى المريرة، فأدرك غاندى استقلال الهند وركع براندت كمستشار منتخب أمام النصب التذكارى لمحارق النازيين فى بولندا وحملت أصوات الثورات الديمقراطية فى أوروبا الشرقية رياح التغيير وأنهت القبضة السوفييتية وجاءت بهافل رئيسا. أما مانديلا فخرج من وراء الأسوار لينهى نظام الفصل العنصرى ولينتخب كأول رئيس لجنوب إفريقيا من أصول إفريقية وليباعد بين مجتمعه وبين الوقوع فى فخ الانتقام للماضى وتعميم الكراهية والعقاب باتجاه قوى الظلم والعنصرية المتراجعة، ولتصمت أصوات المساومين والمتحايلين.

يتميز مانديلا عنهم بفداحة الثمن الشخصى الذى تحمله لنضاله من أجل إنهاء نظام الفصل العنصرى وجرائم القتل والقمع والانتهاكات التى كان يتعرض لها الأفارقة والمجموعات ذات الأصول غير الأوروبية («البيضاء») فى جنوب إفريقيا، ٢٧ عاما من الأسر وراء القضبان، ٢٧ عاما من خسارة رفاق النضال واستمرار جرائم العنصريين دون توقف، ٢٧ عاما من التمسك بمبادئ الحرية والحق والمساواة وبالإنسانية كقيمة تتعارض مع قبول الظلم أو مهادنته أو الصمت عنه.

يتميز مانديلا عنهم بقدرته الاستثنائية على التمسك بالأمل والنظر إلى المستقبل بإيجابية والثقة فى الانتصار الحتمى لمبادئ الإنسانية وقيمها العظيمة. وبهذا خرج من وراء الأسوار لينجو بجنوب إفريقيا «بالمصارحة والمصالحة» من حروب الانتقام والاقتتال الأهلى. وبهذا صنع لشعب منقسم رئاسة وحدته وأقنعته بكاريزما مانديلا بإمكانيات العيش المشترك. وبهذا واصل نضاله ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات والكرامة كرئيس لجنوب إفريقيا وبعد انتهاء فترته الرئاسية ولم يتحول إلى سياسى متقاعد ولم ينسحب عائدا إلى مساحته الخاصة إلا بعد أن تدهورت حالته الصحية. وبهذا أصبح مانديلا أعظم مناضلى القرن العشرين الذى سجلت كتبه وحولياته أسماء الكثير من المستبدين والظالمين والمجرمين والمساومين على مبادئ الإنسانية وقيمها ولم تورد إلا نفر قليل جدا من المناضلين يتصدرهم مانديلا الذى قدم للبشرية وللقارة الإفريقية النموذج الأمضى إلهاما للدفاع عن الحرية والحق والمساواة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved