لا تؤمموا البرلمان
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 12:06 ص
بتوقيت القاهرة
أخشى أنه بحلول يوم انعقاد مجلس النواب المقبل بعد أيام ان يقفز عدد المنضمين إلى كتلة «دعم الدولة المصرية» إلى كامل أعضاء البرلمان بمن فيهم المعينيون أى 596 نائبا!.
قبل شهور قليلة من إجراء الانتخابات البرلمانية كانت هناك هواجس من دخول بعض الإخوان أو المتعاطفين معهم والمقربين منهم إلى البرلمان، وقبل أسابيع قليلة انحصرت المخاوف فى سيطرة رأس المال السياسى على البرلمان أو جزء معتبر منه.
وشهدنا جدلا بيزنطيا وقتها يتحدث عن أن البرلمان الجديد سوف ينازع الرئيس فى صلاحياته وسيحاول الاصطدام معه، وبالتالى رأينا وقتها معارك وهمية تطالب بتعديل الدستور للتقليل من صلاحيات البرلمان. والآن فقد ثبت ان مشكلتنا الحقيقية هى ان البرلمان الجديد سيكون مؤيدا للرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته أكثر مما ينبغى.
تأييد أحزاب وكتل سياسية ونواب مستقلين للرئيس ليس عيبا أو جريمة، لكن ان يتحول البرلمان بأكمله أو بأغلبيته إلى جوقة تنافس على دعم الحكومة فتلك مأساة ستعيد إنتاج برلمان ٢٠١٠ الذى كان القشة التى قصمت ظهر نظام مبارك.
كتبت قبل أسابيع فى هذا المكان محذرا من خطورة «برلمان مؤيد أكثر مما ينبغى للرئيس»، ولم أكن أعلم أننا سنصل إلى هذا الوضع.
قائمة «فى حب مصر» فتحت الباب لتكوين «ائتلاف دعم الدولة المصرية»، وعلى ذمة تصريحات اللواء سامح سيف اليزل منسق ومقرر الائتلاف ــ لصحيفة الشرق الاوسط نقلتها الوكالة الالمانية ــ فإن عدد الذين وافقوا على الانضمام إلى هذا التحالف وصل ٤٠٠ نائب. قبلها بيوم كان العدد ٣٥٠ نائبا وفى البداية كان الحديث يدور حول ٢٠٠ نائب.
الطريقة التى يدور بها الحديث قد تصنف من يرفض الانضمام إلى هذا التحالف أو الائتلاف باعتباره «منعدم أو قليل الوطنية».
ومساء الأحد الماضى كانت هناك تقارير تقول ان حزب الوفد وافق مبدئيا على الانضمام إلى هذا الائتلاف بعد موافقة «مستقبل وطن» والعديد من الأحزاب الصغيرة إضافة لمعظم من نجحوا على قائمة «فى حب مصر»، وكذلك عشرات المستقلين. لو سرنا بهذا المعدل فإن غالبية النواب قد يجدون أنفسهم داخل هذا الائتلاف سواء حبا أو رغبة أ مصلحة أو «بسيف الحياء».
لو جاز لى تقديم النصح إلى قادة هذا الائتلاف الجديد وبينهم العديد من الأصدقاء، فإننى اقترح عليهم ان يتوقفوا عن ضم المزيد، يكفيهم أن معهم أغلبية الثلثين التى تتيح لهم تمرير أى قانون أو تعديله أو إلغاءه، بل تعديل الدستور نفسه.
وبالتالى فإن الحكمة والمصلحة و«الديكور الديمقراطى» تحتم عليهم ان يتركوا ما تبقى من بقية النواب وهم نحو الثلث خارج هذا الائتلاف حتى يمارسوا القليل من وظيفة المعارضة حتى لو كانت شكلية!.
فى الأنظمة السياسية العاقلة ــ وليس شرطا ان تكون ديمقراطية كاملة حتى ــ يفسحوا المجال لبعض المعارضة، بل ان هناك انظمة عاقلة جدا تخترع المعارضة إذا لم تجدها، حتى تقنع بعض البسطاء ــ أو من يريد أن ينخدع ــ بان هناك ديمقراطية أو«شيئا من ريحتها».
الاصطفاف مهم جدا فى مواجهة المحتل والعدو والتربص والتآمر الخارجى والكوارث الطبيعية، لكنه ليس محبوبا بالمرة داخل المجالس النيابية. وظيفة هذه المجالس ان تسن القوانين وتراقب اداء السلطة التنفيذية، وتعكس التنوع والحيوية والاختلاف داخل المجتمع، وان تفرغ شحنة الخلافات بصراع الأفكار والآراء والبرامج والسياسات تحت القبة وليس بالمولوتوف والرصاص فى الشوارع.
نراهن على العقلاء داخل البرلمان والحكومة وسائر أهل الحكم بعدم القضاء على البرلمان واغتياله قبل أن يبدأ عمله، خصوصا انه «مولود مبتسر»، يعانى من جملة أمراض صعبة وخطيرة منذ أن كان جنينا!!!.