من هم القَتَلة فى بغداد يا قيس الخزعلى؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأحد 8 ديسمبر 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب «حازم الأمين».. نعرض منه ما يلى:

بغداد يا بغداد.. لا مدينة تملك هذه القدرة على بعث الخوف ممزوجا بأمل ضعيف على نحو ما تفعل بغداد هذه الأيام. ولا أحد يملك القدرة على الكشف عن وجوه الغزاة الجدد على نحو ما يملك فتية ساحات بغداد القادمين من ناحية الرصافة، والساعين إلى اجتياز جسور السلطة التى تحجب عنهم أهل الكرخ. توغل الغزاة فى قلب التظاهرة فى ساحة التحرير وعلى جسر السنك وقتلوا عشرات المتظاهرين. من هم القتلة؟

غزوة 8 ديسمبر أسفرت بحسب «رويترز» عن 19 قتيلا وعشرات الجرحى من بين المتظاهرين. مئات الفيديوهات تفضح المهاجمين. تغريدة قائد العصائب قيس الخزعلى فى أعقاب الغزوة كانت مذهلة. «دعوة المسلحين للانسحاب من الساحة وإفساح المجال للقوى الأمنية». ما حصل قد حصل والآن عليكم أن تنسحبوا ولن نحاسبكم على الجريمة. المهمة أنجزت فعودوا إلى قواعدكم. هل من وضوح يفوق هذا الوضوح فى تبنى الجريمة وفى السعى إلى احتواء جثث الضحايا؟

لكن الوضوح فى الجريمة يوازيه وضوح فى تصميم فتية الرصافة على عبور الجسور. الصور مذهلة، والإصرار تصاعدى. تلك الأم التى وصلت إلى الساحة ليلة أمس لتنضم إلى أبنائها على جسر السنك لن يقوى الخزعلى على تبديد اندفاعها، والساحات حسمت خيارها فى العراق ولا عودة إلى زمن قاسم سليمانى. المتظاهرون الشيعة حملوا بأيديهم مظاريف الرصاصات التى أطلقها الغزاة ليلة أمس والتقطوا صورا لها، وكتب عليها بالفارسية «صنع فى ايران». المواجهة اليوم مباشرة بين ما «صنع فى إيران» من حشود وغزاة، وبين فتية مدن الشيعة فى العراق. المواجهة لوحدها وقبل أن تسفر عن نتائج تمثل هزيمة ساحقة لجنرال الهلال الشيعى. دماء كثيرة على ضفتى المواجهة، لكن الفتية يحدوهم الأمل، والعودة إلى المنازل ستضعهم مجددا فى متناول حشود الله وأحزابه وعصائبه ونجبائه.
المواجهة كانت عارية ولا لبس فى هوية الغزاة. لقد خلفوا وراءهم أسلحة وعتادا كاشفا عن هويتهم.
ولعل أغرب ما يحصل فى بغداد اليوم يتمثل فى أن حكومة مستقيلة تتنصل من المسئولية عن القتل، وأجهزة أمنية بعيدة من المواجهة، وقادة حشود هم أعضاء فى البرلمان يسعون إلى تصوير المواجهة بصفتها «شارعا فى مقابل شارع». وفى هذا الوقت تظهر جيوش من القتلة الملثمين كما لو أنهم من خارج هذا المشهد تماما، فيسقطون على رءوس المتظاهرين، كما لو أنهم أتوا من الفضاء.. يحصل ذلك وسط وضوح لا يترك مجالا للشك فى هوية هذه الكائنات! هذه المعادلة كاشفة لحجم الجريمة لكنها كاشفة أكثر المأزق الذى يكابده القاتل، ذاك أنه لم يعد معنيا فى حجب وجهه. رواية ركيكة ومضحكة عن المؤامرة تكفيه لكى يمضى فى جريمته، وفى صباح اليوم الثانى يغرد الخزعلى داعيا المسلحين إلى الانسحاب من الساحة.
من هم المسلحون يا خزعلى؟ طلبت منهم مغادرة الساحات، بعدما ارتكبوا الجريمة! لقد قتلوا أكثر من 19 عراقيا. وأعلنت أنت العضو فى البرلمان العراقى، وصاحب العمامة، أنك لست صاحب الدماء. هل تعلم أن أثر الدم على العمامة البيضاء لا يزول؟
سيعبر فتية الساحات فى بغداد الجسور لا محالة، وسيرفدهم فتية قادمون من مدن الجنوب، وسيصفق لهم أهل الشمال وأهل الغرب، وسيلملم الجنرال خيبته ويغادر. هذه أصداء لأحلام بغدٍ عراقى أفضل، وهى وإن كانت مجرد أحلام إلا أنها استمدت من تصميم العراقيين على البقاء فى الساحات، على رغم الجريمة وعلى رغم المجزرة، قوة وأملا نادرين فى التاريخ العراقى الحديث.

النص الأصلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved