ما كان أغنانا عن هذا
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 9 يناير 2010 - 9:44 ص
بتوقيت القاهرة
استعصى علىّ، كما على غيرى، الاقتناع بأسباب رفض مصر دخول قافلة شريان الحياة 3 عن طريق ميناء نويبع قادمة من ميناء العقبة، وإصرارها على أن تعود القافلة، التى تضم حوالى 150 شاحنة وسيارة ومئات من الأفراد، أدراجها برا من العقبة الأردنية إلى اللاذقية السورية ثم بحرا إلى العريش المصرية. ومن المؤسف إهدار أموال كان يمكن أن تخصص لأهل غزة، على نفقات سير ونقل إضافية بسبب هذا المسار الالتفافى بدلا من اتباع أقصر الطرق وهو الخط المستقيم من العقبة إلى نويبع. الغرابة أن بعض الصحف المصرية قد صورت ما حدث وكأنه نصر مؤزر حققته مصر «برضوخ» القائمين على المسيرة للمطالب المصرية. للأسف زودنا كل من لا يريد بمصر خيرا بمادة دعائية لانتقادها والنيل من مواقفها، ومنينا بهزائم إعلامية وأدبية كبيرة، فضلا على احتمال تعرض مواد المساعدات الإنسانية من أدوية وأطعمة إلى التلف أو انتهاء الصلاحية.
ولا يختلف هذا الموقف كثيرا عن موقف آخر يستعصى على الفهم والمتعلق بقافلة «الحرية لغزة» التى ضمت أكثر من 1300 شخص جاءوا من 43 دولة للتضامن مع أهلها فى إحياء ذكرى مرور عام على الغزوة البربرية التى قامت بها إسرائيل للقطاع. احتفينا كلنا بتقرير القاضى جولدستون الذى اعتمده مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة ثم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو التقرير الذى سجل جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية فى حق شعب غزة، وعندما تنتفض دول العالم لاستنكار هذه الجرائم التى فضحها التقرير نمنع نحن مسيرة من قدموا من هذه الدول من التوجه إلى غزة لكى يُسمعوا أصواتهم واحتجاجاتهم للإسرائيليين. لم يكن أمام هؤلاء الذين قدموا للقاهرة من مختلف بقاع الأرض إلا أن يهيموا على وجوههم فى ميادين القاهرة وشوارعها، ويتوجه بعضهم إلى سفارات بلادهم فى القاهرة فى طلب المساعدة، أو إلى السفارة الإسرائيلية للاحتجاج، أو عقد مؤتمر صحفى أمام نقابة الصحفيين.
لم يخفف قرار السلطات المصرية بالسماح بتوجه حوالى المائة منهم إلى غزة من استيائهم وقرر بعضهم الإضراب عن الطعام. المهم أن كل هذا يجرى أمام أعين الصحفيين والمراسلين الأجانب وكاميراتهم التى تنقل ما يجرى بالصوت والصورة إلى مختلف الدول التى جاء منها هؤلاء.
جرى كل هذا فى الوقت الذى يتم فيه إقامة منشآت هندسية أو جدار فولاذى أو عازل إلى غير ذلك من المسميات، على الحدود الدولية مع غزة. لا يمكن لأحد أن يجادل فى حق مصر أو أى دولة أخرى فى تأمين حدودها بالوسيلة التى تراها، ولكن ما يمكن أن نناقشه هو دوافع مصر إلى إغلاق معبر رفح والسماح فقط بفتحه بصفة استثنائية وانتقائية من وقت لآخر، وبالتالى إعطاء الفرصة للتحايل على هذا الإغلاق بحفر السراديب والأنفاق. هناك حجج كثيرة تثار لتفسير هذا الموقف، وسأحاول هنا تعديدها ثم الرد عليها.
الحجة الأولى: هى وجود اتفاق ينظم عملية العبور من منفذ رفح تم توقيعه فى 15نوفمبر 2005 بعد أن انسحبت إسرائيل من القطاع. تم توقيع هذا الاتفاق فى إطار اتفاق أوسع يشمل كل المعابر المؤدية لغزة من الجانب الإسرائيلى، ووقع هذا الاتفاق كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كما تم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبى على إيفاد عدد من المراقبين للتأكد من تنفيذ بنود الاتفاق. أما وقد سيطرت حماس على القطاع منذ 2007، فلم يعد للسلطة الفلسطينية فى رام الله أى تواجد على المعبر وتم سحب المراقبين الأوروبيين، وأصبحت حماس وحدها هى الطرف الذى يتحكم فى المعبر من الجانب الفلسطينى واختفت الآلية التى نظمها الاتفاق التى كانت تمكن إسرائيل من أن تكون لها كلمتها ــ من على بُعد ــ فى دخول الأشخاص عبر المنفذ. والواقع أن حجة وجود اتفاق لا نستطيع تجاهله مردود عليها بالآتى:
أن الإجراءات المنصوص عليها فى الاتفاق سارية لعام واحد فقط من تاريخ إبرام الاتفاق فى نوفمبر 2005.
مصر ليست طرفا فى هذا الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وبالتالى فإن آلياته منوط تنفيذها بالجانب الفلسطينى من المعبر وليس من قبل الجانب المصرى.
وعلى هذا فليس هناك أى مبرر لإغلاق مصر المعبر من ناحيتها ويكفيها أن تطبق نفس القواعد التى تطبقها بالنسبة لمنافذ جمهورية مصر العربية العديدة الأخرى البرية والبحرية والجوية.
أصدر مكتب الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية تقريرا بعد مرور عام على اتفاق المعابر أى فى نوفمبر 2006 يشير فيه إلى أن المعبر تعرض للإغلاق بسبب اعتراضات متكررة إسرائيلية خلال الخمس شهور السابقة على صدور التقرير، وذلك فى وقت كانت فيه السلطة الفلسطينية متحكمة فى المعبر.
والحجة الثانية: التى ندفع بها من أجل تبرير إغلاقنا للمعبر هى حرص مصر على عدم تكريس الانقسام بين الضفة وقطاع غزة، إذ أن قبولنا فتح المعبر ــ كما تقول الحجة ــ دون تواجد السلطة الفلسطينية على الجانب الآخر منه قد يفسر على أنه اعتراف منا بالأمر الواقع فى غزة، وبالتالى إضعاف موقف السلطة من ضرورة إعادة بسط نفوذها على غزة. والواقع أن فتحنا المعبر لا يشكل أى اعتراف بالوضع الحالى فى غزة، فالمعبر يتم فتحه بالفعل من وقت لآخر كما سبق القول وعَبرَه من الجانبين خلال عام2009 نحو 80 ألف شخص من بينهم قادة حماس أنفسهم، دون أن يدعى أحد بأن موقفنا هذا يعد اعترافا بالوضع القائم فى غزة. وفى إمكان مصر إن أرادت أن تعلن رسميا، إذا قررت فتح المعبر بشكل مستمر، أنه «يجب إلا يفسر هذا الموقف من جانبها على أنه يشكل اعترافا بالوضع القائم فى غزة الذى نسعى جاهدين لإنهائه، وأن فتح المعبر إنما يجىء لأسباب إنسانية بحته».
والحجة الثالثة: تتلخص فى أن قيامنا بفتح المعبر قد يؤدى إلى تلاشى حرص حماس على توقيع اتفاق المصالحة الذى ترعاه مصر، على أساس أن الضغوط على قادة حماس ستخف كثيرا إذا قُدّر لأهل غزة الحصول على احتياجاتهم من خلال معبر رفح. وفى تصورى أن اقتناع حماس بأهمية التوقيع على اتفاقية المصالحة لابد وأن ينبع من خلال قناعتها بمخاطر استمرار هذا الانقسام بين الضفة وغزة على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
أما الحجة الرابعة: فهى ترديد القول بأن معبر رفح إنما هو مخصص فقط لتنقل الأفراد وليس مخصصا لانتقال البضائع، إذ إن هناك معبر آخر على الحدود بين مصر وإسرائيل مخصص لهذا الغرض.. والواقع أن اتفاقية المعابر السابق الإشارة إليها نصت صراحة على أن معبر رفح سيستخدم أيضا لتصدير البضائع لمصر. وأقرت الأمم المتحدة فى تقرير مكتب المساعدات الإنسانية الذى ورد ذكره فى السابق أن معبر رفح لم يتم فتحه أمام الصادرات من البضائع بالمخالفة لاتفاق المعابر. معنى ذلك أن نقل البضائع عبر رفح أمر وراد وتم خلال الفترات السابقة من الناحية الفعلية دخول الكثير من الشاحنات التى نقلت المساعدات الإنسانية لغزة. وتشير الإحصائيات إلى أنه تم خلال العام الماضى نقل أكثر من مليون ونصف المليون طن من البضائع والمواد الغذائية والسلع إلى غزة.
وفى جميع الأحوال فإن مصر من منطلق ممارستها لسيادتها على أراضيها لها كل الحق فى استخدام المعبر، وتطويره إذا لزم الأمر.. من أجل نقل البضائع، ومعاملته كأى منفذ آخر على أراضى مصر من ناحية إجراءات الجمارك والحجر الزراعى والصحى والتدقيق فى الجوازات والتأشيرات وغير ذلك.