دعانى قومسير صالون القاهرة الصديق العزيز الفنان سامح إسماعيل لحضور جلسة حوارية بجمعية الفنون الجميلة للتشاور حول دورة الصالون المزمع عقدها فى مارس المقبل.
وخلال الجلسة أكد إسماعيل أن فن الرسم (الغاية والوسيلة) سيكون هو موضوع الدورة التى ستحمل رقم 58 ووجهت دعوة المشاركه فيها لنحو 170 فنانا وفنانة، بينما أوضح الفنان التشكيلى الكبير أحمد نوار أن اختيار الموضوع جاء نتيجة الشعور بأن هناك مشكلة يشهدها واقع التشكيل المصرى بسبب التراجع الرهيب فى مستوى الرسم كصنعة وكفاءة وقبل كل ذلك موهبة، لافتا إلى أن أغلب الأعمال المعروضة فى قاعات القاهرة يفتقر أصحابها للحد الأدنى اللازم ليكونوا رسامين.
والشاهد أن نوار لا ينطلق فى موقفه من حس محافظ كما أنه لم يعد يشغل المواقع التنفيذية التى كان يشغلها لكى نعتقد أن حديثه تعبير عن موقف رسمى أو توجيه لا سمح الله فهو قبل ذلك كله فنان متحقق ورسام متمكن شهدت تجربته تحولات كثيرة انتهت به إلى آفاق تجريبية متعددة لذلك علينا أن نستقبل رأيه الأقرب إلى الانزعاج بالكثير من التأمل والاستبصار فهو مثل علامة التعجب فى نهاية جملة مكتملة المعنى.
وقبل سنوات حذر الفنان الكبير حسن سليمان الأقرب لقلبى ومزاجى من هذا التراجع الذى ساهم فى إفقار الحركة التشكيلية وكانت مقالاته الأخيرة فى مجلة «الهلال» وقفة أخرى قبل المنحدر «تماثل» ما انتهى اليه الكاتب الراحل علاء الديب فى كتابه الشارح لمعنى الفجيعة.
أشار سليمان الذى تكرمه الدورة الجديدة للصالون بوضوح لمخاطر «الافقار المنهجى» المتعمد لأجيال من الرسامين كانت تدفع دفعا إلى تنفيذ الأعمال المركبة دون أن تكتمل عدتها الفنية أو معرفتها بـ«أصول الصنعة» فكانت النتيجة مجموعة من الأعمال التى افتقر أصحابها للأساس المعرفى والفلسفى الملائم وبعض هؤلاء توقف تماما عن العمل وأغلبهم تعثر فى دروب المتاهة التى أفرزها سوء استعمال «الوسائط الفنية الجديدة»، لأن الغلبة كانت للوسيط وليس لمن يستعمله.
وبدلا أن تكون الأداة خادمة للفنان تحول هو لخادم لها.
وانطلاقا من إيمانه بـ«الصنعة» أعطى حسن سليمان الكثير من وقته لتلاميذ اقتربوا من عالمه وشربوا صنعته ويقف الفنان أشرف رسلان على رأس هؤلاء الذين توقع لهم صاحب «حرية الفنان» أن تنهض تجاربهم وتخلق لنفسها السياق الذى يضمن لصاحبها أن يمشى مرفوع الهامة.
ويشهد معرض رسلان المقام حاليا بجاليرى قرطبة تحت عنوان «يوميات دفتر أحوال» على أنه واحد من الفنانين الذين أفلتوا من الفوضى ومن غياب المعايير وكانت العزلة المختارة التى أرادها لنفسه هى «الحصن الحصين».
يؤكد المعرض مجددا صدق مقولة «أن الموهبة كالفضيحة» كما كان يقول محمد الماغوط، ففى اللوحات جمال يصعب تفاديه، وإتقان نادر للصنعة التى تبدو هنا سعى نحو الاكتمال، ابنة شرعية لنزوع إيمانى خالص يقود إلى عملية إزاحة لكل ما هو زائد، لينعم المسطح بحالة سكون يهيأ لبطلات لوحاته مجال للسكينة.
تنعم بطلات رسلان بأناقة الاستغناء الناتجة عن صفاء الرؤية، لكن ثمة سلسال يجمعها بعناقيد غضب كثيرة وتاريخ يربطها بوجوه الفيوم أو باللوحات التى رسمها جبران خليل جبران لنفسه حين تخيل نفسه مسيحا يلقى العظة من فوق الجبل، لوحات جريئة لا يمكن اعتبار عريها صدمة وإنما صرخة، كأن لدى صاحبها هاجسا دائما للبحث عن الجذور ولعل هذا أجمل سطر يسعى للإفلات من دفتر أحواله.