الكليبات الجنسية

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 9 يناير 2018 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

أتذكر منذ نحو خمسة عشر عاما أن محامية بريطانية تخرجت فى جامعة «أكسفورد» كتبت مقالا فى «الديلى ميل» أحدث صدى واسعا، لأن عنوانه كان ملفتا معبرا متحديا «لماذا قررت أن أظل عذراء حتى الزواج؟»، أعجبت كثيرا بمقال هذه المحامية التى بدت من صورتها أنها بارعة الجمال، ذات شخصية آسرة. ومصدر الإعجاب أنها لم تستخدم فى المقال سندا دينيا واحدا، بل تحدثت بمنطق إنسانى وأخلاقى راقٍ، وخلصت فى مقالها إلى أنها لا تريد أن تكون موضوعا للاستهلاك العابر، أو محلا لعلاقات عاطفية مؤقتة، بل تريد أن تشارك مشاعرها مع شخص تحبه، وترتبط به فى إطار دائم فى الحياة. المقال بالتأكيد كان سباحة ضد التيار فى المجتمع البريطانى، لكنه أثار اهتمام وتعليق كثيرين. 

تذكرت هذا المقال أثناء تصفح أخبار الغضب على «الكليبات الجنسية»، التى انتشرت، وبعضها كان موضوعا لأحكام جنائية على الممثلة والمخرج كما حدث أخيرا. المسألة ليست أخلاقية أو دينية فقط، لكنها ــ وهذا الأهم فى رأيى ــ إنسانية. منتج، وممثل، ومخرج «الكليب الجنسى» يمارس امتهانا للكرامة الإنسانية. لا تحدثنى عن «الحرية»، لأن إذا كان هناك من هم أحرار فى انتاج ابتذال جنسى مصور، فإن هناك أحرارا أيضا لا ينبغى أن نفرض عليهم مشاهدة هذا الابتذال. 

لن أتحدث عن الأخلاق أو الدين، لأنه تعبير عن «وعظ مباشر» لا أرتاح إليه، ولن أتحدث أيضا عن تقاليد المجتمع، لأنها أحيانا يجرى توظيفها لإعاقة حرية وحقوق الأفراد أنفسهم، ولكن التوصيف الصحيح أنه تعبير عن امتهان الكرامة الإنسانية. أبرز مظاهرها تفشى النزعة الاستهلاكية، وأهم مجالاتها هو «المرأة» التى تعتبر موضوعا للاستهلاك، عارضة للوجاهة، مادة للإغراء، عنوانا للتسويق، جسدا لا عقل له، مجالا لاستمتاع الرجل، إلخ. نجدها تستخدم فى الدراما، السينما، الإعلان التجارى، وأيضا فى الكليب الجنسى على نحو فج فاضح. وفى مسرح الحياة تُستخدم أيضا المرأة لأداء أغراض التسويق، والاستمتاع، لون من ألوان الاتجار فى البشر. لا أغفل بالطبع أنه فى أحيان كثيرة تلجأ المرأة بإرادتها إلى أن تكون موضوعا للاستهلاك أيا كان شكله أو اتجاهه، لكن لا يجب أن يسمح المجتمع بذلك، وعليه أن يوفر سياقا إنسانيا للمواطنين، يحول دون استغلالهم أو الحط من شأنهم، حتى لو كان ذلك بإرادتهم أو تلبية لضغط الظروف المحيطة بهم.

تصوير الجنس على أنه إغراء يمثل إساءة مباشرة لبهجة الحياة، وانسانية العلاقات فى المجتمع، وأظن أن باطن المجتمع مفعم بصور من التجاوزات الإنسانية التى لا تظهر على السطح. قد يحملنا الحديث إلى قضايا سياسية واجتماعية مثل العدالة الاجتماعية، والارتقاء بمعيشة الأفراد، ومقاومة الاستغلال الجسدى بتحرير الانسان من الاستغلال الاقتصادى أو الاجتماعى، الخ. وهو حديث صحيح لأن الظاهر ابتذال جنسى، ولكن الجزء الغاطس من المشهد سياسى واقتصادى واجتماعى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved